مرج البحرين |
مَرَجَ البحرينِ بذي الحِجَّةْ(1) |
فأتمَّ النِّعْمَةَ بالأركانْ(2) |
يا أَحْمَدُ نَحْفَظُ تِرْكتَكَ(3) |
ما فرَّط في حِكَمٍ لُقْمَانْ(4) |
فكتابُ اللهِ لنا عَمَدٌ(5) |
والآلُ بأنفسهمْ ثِقْلانْ(6) |
قد سمّى الأجْرَ مَوَدَّتَهم(7) |
فكفى للمُنْكِرِ مِنْ بُرْهانْ(8) |
لم يجعلْ جَوْفَنا أفئِدَةً |
هو قَلْبٌ أوْحَدُ لا قَلْبانْ(9) |
مَنْ كَذَّبَ صِدْقَ مقالتِنا |
قد كَذَّبَ آياتِ القرآنْ(10) |
****** |
مَرَجَ البحرينِ بذي الحِجَّةْ |
بيديهِ وكُنِّهِ يلتقيانْ(11) |
والبرزَخُ أشْرَقَ بينهما |
فَأَضَاءَ اللؤلؤَ والمـَرْجانْ(12) |
مَرجانٌ صار سفينَتَنا |
مِصْبَاحًا يَهْدِي للشُّطْآنْ(13) |
قد أَمْلى الرَّبُّ بِساقِ العَرْ |
شِ حسينٌ فُلْكي والرُّبانْ(14) |
عِوضًا عن قَتْلِهِ أَمْنَحُهُ |
تِسْعًا(15) من فرْعِ أبِ الأغصانْ(16) |
مَنْ كَذَّبَ صِدقَ مقالتِنا |
قد كَذَّبَ آياتِ القرآنْ |
****** |
مَرَجَ البحرينِ بذي الحِجَّةْ |
مَرَجَ الآناتِ إلى الأزمانْ(17) |
لولا البحرانِ لساختْ بل |
لم تُنْفَخْ رُوحٌ في إنسانْ(18) |
زهراءُ عليٌّ هل أنتمْ |
إلا الآلاءُ مِنَ الرحمن؟(19) |
قد أخرجَ منها أعظمَها(20) |
واستبقى القائمَ للسلطانْ |
وِرْثًا للأرض وما حَمَلَت(21) |
خَتَمَ الدُّنيا وَضَعَ الميزانْ(22) |
مَنْ كَذَّبَ صِدقَ مقالتِنا |
قد كَذَّبَ آياتِ القرآنْ |
() مَرَجَ: أرسل، والفاعل مستتر تقديره (هو) يعود إلى الله تعالى. وقد روي عن سلمان الفارسي، وسعيد بن جبير، وسفيان الثوري، في تفسير قوله تعالى: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ* فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ* يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) الآيات 19-20-21-22 من سورة الرحمن، أن (البحرين) عليّ وفاطمة (عليهما السلام)، بينهما (برزخ) محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، يخرج منهما (اللؤلؤ والمرجان) الحسن و الحسين (عليهما السلام). تفسير مجمع البيان ج9، ص336. وقد أردنا بهذا الشطر الإشارة إلى اقتران أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) في الأول من ذي الحجة السنة الثانية للهجرة.
إذًا، أمرُ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرجوع إلى القرآن، ليس أمرا بالرجوع إلى ألفاظه؛ لأنها حاضرة بين أيدي المسلمين، كما لا معنى للرجوع إليها بمعزل عن معانيها. ولمّا انحصر العلم بمعاني القرآن بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ﺑ"الراسخون"، كان الأمر بالرجوع إليه أمرًا بالرجوع إليهم. فإن عرفت ذلك، انساب من فمك "والآل بأنفسهم ثقلان". وإن بقي في القلب شيء، نحيلك على البيتين التاليين.
(7) سمّى الأجر؛ أي جعل الأجرة المسماة في عقد الولاية بيننا وبينه تعالى، ود آل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين). وهذا الشطر مطلع ما سنؤيد به مقولة اتحاد الثقلين بآل محمد، وفيه إشارة إلى قوله تعالى: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) سورة الشورى، الآية 23. وقد جاء في تفسير هذه الآية المباركة المعروفة بـ(آية المودة) عن الإمام الحسين بن عليّ (عليهما السلام) قال: "اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله، إن لك مؤونة في نفقتك ومن يأتيك من الوفود، وهذه أموالنا مع دمائنا، فاحكم فيها مأجورا، أعط منها ما شئت، وأمسك ماشئت من غير حرج، فأنزل الله (عز وجل) عليه الروح الأمين، فقال: يا محمد (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) يعني أن تودوا قرابتي من بعدي، فخرجوا". تفسير الميزان ج18، ص 197. والقرابة الذين أمر الله بمودتهم هم عليّ وفاطمة وولداهما (عليهم السلام). مجمع الزوائد ج7، ص103 - المعجم الكبير ج3، ص47 - تخريج الأحاديث والآثار ج3، ص234 - شواهد التنزيل ج2، ص189.
وإنما عبِّر عن عليٍّ (عليه السلام) بـ(الذين)؛ لأنه نورَهم الأول وعنوانَهم والدالَ عليهم، فإن عُلِم أول الأولياء عُلِموا جميعا لدلالة السابق على اللاحق. إذًا صيغة الجمع جاءت على نحو المجاز المرسل؛ حيث يعبّر بالكل عن أشرف أجزائه، كما يعبّر بطلوع الشمس عن أولى إشراقاتها. فإذا علمت ذلك، تنوّرت أكثر في إدراك وحدة الودّ الآخذة إلى وحدة الثقلان اتباعا، ويزيد وضوحا ما سيأتي في البيت اللاحق.
(12) ذكرنا في شرح البيت الأول، أن البحرين هما عليّ وفاطمة، والبرزخ رسول الله محمد، واللؤلؤ الحسن، والمرجان الحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين). وبرزخية النبي تمثل المعبر إلى عالم خلت منه النبوة إلى آخر حَوَته الإمامة بأنجمها الاثني عشر، فلولا محمد ما كانت فاطمة، ولولا فاطمة ما كان الحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذرية الحسين (عليهم السلام). ومن هنا كان البرزخ المحمدي علة إشراقية على وادي الإمامة من خلال قطبَيه المتمثلين بفاطمة صلبًا وتكوينا، وعليٍّ نورا.
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): "فاطمة بضعة مني". صحيح البخاري ج4، ص210- مسند أحمد ج4، ص5 - صحيح مسلم ج7، ص141 - سنن الترمذي ج5، ص360. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله (عز وجل) لملائكته: يا ملائكتي، انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهِدُكم أني قد آمنت شيعتها من النار" أمالي الصدوق، ص176.
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) في عليّ (عليه السلام): "كنت أنا وعلي بن أبي طالب نورا بين يدي الله من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله تعالى آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم يزل في نور واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، ففيّ النبوّة، وفي عليّ الخلافة". المناقب للحافظ ابن المغازلي حديث رقم 130 – مودة القربى للعلامة الهمداني المودة الثامنة – شرح النهج" لابن أبي الحديد 9/ 171 – نظم درر السمطين للزرندي الحنفي / 79.
وقال: "أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من شجر شتى". كنـز العمال 11/ 608 - المستدرك للحاكم 2/ 241 –
مجمع الزوائد" للهيثمي 9/ 100 - المعجم الأوسط للطبراني 4/ 263 – نظم درر السمطين للزرندي الحنفي / 79.
وقال: "أما أنت يا عليّ، فمني وأنا منك". "مسند أحمد" 1/ 98.
فالحسين (عليه السلام) أسرع السفن إلى الله تعالى؛ لما تمثِّله من أرقى مظاهر البر، وهو القتل في سبيل الله بأشد صوره، وأعظم مصاديقه؛ مما يكشف صدق الإخلاص، وإرادة الفناء، ورغبة الله، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "فوق كل ذي بر بر، حتى يُقتَل في سبيل الله، فإذا قُتِل في سبيل الله، فليس فوقه بر". الكافي ج5، ص53.
والحسين (عليه السلام) مصباح الهداية إلى شطآن الحقيقة، لعصمته المنزهة عن أي ضلال، فالسالك معه سالك إلى الله، والتارك له تارك لسبيل الله؛ وهذا مما عبر عنه (عليه السلام) في كتابه إلى بني هاشم قبل توجهه للعراق؛ حيث كتب: "بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى بني هاشم. أما بعد، فإنه من لحق بي منكم استشهد معي، ومن تخلّف لم يبلغ الفتح، والسلام". بحار الأنوار ج42، ص81.
(16) الفرع عليٌّ (عليه السلام)، والأغصان هم الأئمة من ذريته، وفي ذلك إشارة إلى تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) سورة إبراهيم، الآية 24-25. عن محمد بن يزيد قال: "سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (وفرعها في السماء)، فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصلها، وأمير المؤمنين (عليه السلام) فرعها، والأئمة من ذريتهما أغصانها، وعِلم الأئمة ثمرها، وشيعتهم ورقها". تفسير العياشي ج2، ص224.
- والثاني عن الصادق (عليه السلام) في الشيعة؛ حيث قال: " الله لولاكم ما زخرفت الجنة، والله لولاكم ما نبتت حبة، والله لولاكم ما قرت عين، والله لله أشد حبا لكم مني، فأعينونا على ذلك بالورع والاجتهاد والعمل بطاعته". بحار الأنوار ج7، ص205. فلو كانت الدنيا والجنة لأجل من والاهم (عليهم السلام)، فلولاهم ما كانتا.
(21) إشارة إلى قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) سورة الأنبياء، الآية 105. وقول الحسين بن علي (عليهما السلام): "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله عز وجل ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي، فيملؤها عدلا وقسطا، كما ملئت جورا وظلما، كذلك سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول". كمال الدين وتمام النعمة ص318.
|