💕 الحبُّ فطريٌّ وشرعيٌّ
إنَّ الحبَّ بمعنىٰ الانجذابِ الخاصِّ بينَ الرجلِ والمرأةِ، هو إحساسٌّ فطريٌّ لا يحتاجُ إلىٰ الكسبِ. وإنَّما ينمُو وينضجُ مع الإنسانِ، ويشتدُّ ويضعفُ بفعلِ عواملَ كثيرةٍ: تربويَّةٍ، وأخلاقيَْةٍ، واجتماعيَّةٍ... إلا أنَّ أصلَ توطُّنِه في نفسِ الإنسانِ فطريٌّ. ويدلُّ علىٰ ذلك الواقعُ الخارجيُّ الذي يشهدُ علىٰ حالاتِ الحبِّ مرَّةً في صحراءِ البداوةِ بين عنترةَ وعبلةَ، وأخرىٰ في أرقىٰ المدنِ الإيطاليَّةِ (فيرونا) بين روميو وجولييت...
ويؤيِّدُ هذا الدليلَ الوجدانيَّ علىٰ فطريَّةِ الحبِّ الحديثُ المرويُّ عَنِ النبيِّ (صلَّى اللّٰه عليه وآله وصحبه وسلَّم) بسندٍ صحيحٍ، وهو يذكرُ الحوارَ بين الحقِّ سبحانه وأبينا آدمَ (عليه السلام) حينما وقعتْ عينُه لأوَّلِ مرَّةٍ علىٰ أمِّنا حوَّاءَ (عليها السلام)؛ حيثُ قالَ آدمُ: "يا ربِّ، ما هذا الخلقُ الحسنُ الذي قد آنسني قربُه والنظرُ إليه؟! فقالَ اللّٰهُ: يا آدمُ، هذه أمتي حوَّاءُ، أفتحبُّ أنْ تكونَ معكَ تُؤْنِسُكَ وتُحَدِّثُكَ... فقالَ: نعم يا ربِّ، ولكَ بذلك عليَّ الحمدُ والشكرُ ما بقيتُ، فقالَ اللّٰهُ (عَزَّ وَجَلَّ): فاخطبْها إليَّ... وألقىٰ اللّٰهُ عليه الشهوةَ، وقد عَلَّمَهُ قبلَ ذلك المعرفةَ بكلِّ شيءٍ، فقالَ: يا ربِّ، فإنِّي أخطبُها إليك، فما رضاكَ لذلك؟ فقالَ اللّٰهُ (عَزَّ وَجَلَّ): رضايَ أنْ تعلِّمَها معالِمَ ديني، فقالَ: ذلك لك عليَّ يا ربِّ إنْ شئتَ ذلك لي، فقالَ اللّٰهُ (عَزَّ وَجَلَّ): وقد شئتُ ذلك، وقد زَوَّجْتُكَها، فضمَّها إليك".
هذه الروايةُ بدلالاتِها الواضحةِ لا تتركُ مجالًا للشكِّ في أنَّ الحبَّ المتجسِّدَ بأُنسِ أبينا آدمَ بقربِ أمِّنا حوَّاءَ (عليهما السلام)، والنظرِ إليها، واستحسانِه خَلْقَها، وما نصَّتْ عليه مِنْ إلقاءِ الحقِّ تعالىٰ الشهوةَ في نفسِه، وتعليمِه قبلَ ذلك ما يحتاجُه لممارستِها، إنَّ كلَّ ذلك لبيانٌ جليٌّ علىٰ فطريَّةِ الحبِّ وتأصُّلِ الميلِ الجنسيِّ بين الرجلِ والمرأةِ المجعولِ مِنَ اللّٰهِ تعالىٰ.
كما أنَّ إشارةَ الروايةِ إلىٰ إلقاءِ الشهوةِ في نفسِ آدمَ قبلَ حصولِ (الخُطبةِ) لهو دالٌّ علىٰ أصلِ حُسْنِها، ودخالتِها المباشرةِ باختيارِ الشريكِ، وعدمِ ارتباطِ نشأتِها بل الشعورِ بها بالعقدِ الشرعيِّ أو الرغبةِ بالزواجِ مِنْ أصلٍ. فما دورُ هذا العقدِ سوىٰ تسويغِ إفراغِ هذه المشاعرِ - لِمَنْ أراد ذلك - في قالَبِها التفاعليِّ خارجًا؛ حيثُ ينبغي للبذرةِ أنْ تقعَ لتنبتَ ثمرًا طيِّبًا. أمَّا الشهوةُ الجنسيَّةُ، فهي أمرٌ محبوبٌ للحكيمِ تعالىٰ، إنْ لم يكنْ لمصلحةٍ في نفسِها، فَلِمَا فيها مِنْ إغراءٍ بالزواجِ لحفظِ النوعِ الإنسانيِّ. قالَ تعالىٰ : {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ}.
وعليه، فبعدَ ثبوتِ فطريَّةِ الحبِّ، بل تزيينِه لِلنَّاسِ، ينتفي بالضرورةِ القولُ بحرمتِه، وإلا لزمَ إغراءَ النَّاسِ بالحرامِ، وهو محالٌ منه تعالىٰ. كما أنَّ تحريمَ أمرٍ فطريٍّ قهريٍّ لا قدرةَ لنا علىٰ منعِه واتِّقائِه، لهو منافٍ للعقلِ لاستقباحِه التكليفَ بما لا يُطاقُ.
💕 الحبُّ وحده لا يكفي
لا يخفىٰ أنَّ الشهوةَ لمَّا لم تكنِ العاملَ الوحيدَ في اختيارِ الخطيبةِ، ذكرَ الحقُّ تعالىٰ عواملَ أخرىٰ في قولِه: "... أفتحبُّ أنْ تكونَ معكَ تؤنسكَ وتحدِّثكَ...؟". وتوضيحُه:
أمَّا (الأنسُ)، وهو شعورٌ بالارتياحِ ينتابُ الإنسانَ، فهو عاملٌ أساسيٌّ في هذه المعادلةِ العاطفيَّةِ.
وأمَّا (المحادثةُ)، فهي كنايةٌ عَنْ انسجامٍ فكريٍّ ينعكسُ في تبادلِ أطرافِ الكلامِ...
وأمَّا وقوعُ ذلك كلِّه في الروايةِ قبلَ إلقاءِ الشهوةِ، فهو إشارةٌ إلىٰ كونِ هذه الأمورِ هي الأساسُ المتينُ لهذه العُلقةِ، وضمانُ استمراريَّتِها، أو علىٰ الأقلِّ إرشادٌ إلىٰ ضرورةِ أنْ تكونَ كذلك؛ فإنَّ الشهوةَ الجنسيَّةَ رغم كونِها دخيلةً أساسيَّةً في هذا المضمارِ، إلا أنَّ آنِيَّتَها لا تخوِّلُها أنْ تكونَ عمادَ ارتباطٍ طويلٍ. ومِنْ هنا لم يَدُرِ الزواجُ مدارَها ثبوتًا ونفيًا، وإلا لانفرطتْ كلُّ الزيجاتِ بُعَيْدَ بَرْدِ الشغفِ وتخشُّبِ اللهفِ، وإنَّما جُعلتِ السكينةُ والمودَّةُ والرحمةُ - التي تعكسُ الاحترامَ والتفاهمَ والثقةَ والأمانَ - فسطاطَ بيتِ الزوجيَّةِ مِنْ زوابعِ المللِ، وسُرادقَه مِنْ صواعقِ اللامبالاةِ.
قالَ تعالىٰ: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
🔹 ملاحظة:
إنَّ هذا الموضوعَ وغيرَه مِمَّا يرتبطُ به ويتفرَّعُ عنه تجدونه في كتابِنا (الحبُّ والغيرةُ وتعدُّدُ الزوجاتِ) الصادرِ عَنْ دارِ المَحَجَّةِ البيضاءِ / بيروت
➖➖➖➖➖➖➖➖
د. السيد حسين علي الحسيني
واتساب: 009613804079
|