﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 منشأ الدراما النفسية (لماذا نحزن؟)  

القسم : متفرقات ثقافية   ||   التاريخ : 2025 / 09 / 19   ||   القرّاء : 19

🔴 منشأ الدراما النفسيَّة (لماذا نحزن؟

إنَّ كلَّ ما يعترضُ نفوسَنا مِنْ مواقفَ، يتمُّ تخزينُه وحفظُه في أذهانِنا كمجرَّدِ معلوماتٍ لا تُوَلِّدُ بنفسِها شعورًا باللَّذَّةِ والألمِ النفسانيِّ؛ تمامًا كمعلومةٍ نظريَّةٍ محضِ عقليَّةٍ وغيرِ نفسيَّةٍ؛ مثلَ أنَّ الواحدَ نصفُ الاثنينِ؛ فإنَّ إدراكَ الذهنِ لهذه المعلومةِ وأمثالِها لا ينتجُ شعورًا؛ إذْ لا ربطَ له بعالمَ الشعورِ.

 

وبناءً علىٰ ما تقدَّمَ، ينبغي أنْ تخلوَ النفسُ مِنَ الدراما المشاعريَّةِ؛ ذلك أنَّ كلَّ المعلوماتِ المخزَّنةِ في الذهنِ خاليةٌ مِنْ كلِّ ما يستدعي الشعورَ تجاهَها باللَّذَّةِ أو الألمِ، وبالتالي فهي غيرُ صالحةِ لتكونَ منشأً للدراما نفسيَّةِ ... 

 

إذًا فما هو منشأُ الدراما النفسيَّةِ التي يعيشُها الإنسانُ يوميًّا في يقظتِه ونومِه؟! 

نقولُ: إنَّ منشأَ الدراما النفسيَّةِ يعودُ أوَّلًا وآخِرًا إلىٰ اعتباراتِنا التي تتأثَّرُ بشكلٍ مباشرٍ بمرتكزاتِنا الفطريَّةِ، ومفاهيمِنا العقديَّةِ، وثقافاتِنا، وتجاربِنا التي تختلفُ مِنْ واحدٍ إلىٰ آخرَ، فلو كانتْ هذه المشاعرُ الدراميَّةُ ذاتيةً للمعلوماتِ التي أدركْناها وخزَّنَّاها في أذهانِنا بمعنىٰ أنَّها تَنْتُجُ عَنْ ذاتِ هذه المعلوماتِ بلا لِحاظِ أمرٍ آخرَ، للزمَ أنْ تكونَ هذه المشاعرُ واحدةً لدىٰ جميعِ مَنِ اعترضَته؛ كما أنَّ المكوثَ بمحاذاةِ المدفأةِ يمنحُ شعورًا بالدِّفءِ للجميعِ علىٰ حدٍّ سواءَ، ولكنَّنا نجدُ الموقفَ نفسَه بكلِّ أبعادِه يسبِّبُ الألمَ لشخصٍ بينما يسبِّبُ اللَّذَّةَ لشخصٍ آخرَ، فلا يمنحُ شعورًا واحدًا للجميعِ! ومِنْ هنا ينكشفُ أنَّ هذه المشاعرَ ليستْ ذاتيَّةً ومعلولةً للمواقفِ نفسِها بما هي هي ومساحةِ تخزينِها في أذهانِنا، وإنَّما هي معلولةٌ لأمرٍ آخرَ، وهي نظرتُنا إلىٰ تلك المواقفِ أو اعتبارُنا أو اعتقادُنا أنَّها تسبِّبُ الألمَ أو اللذَّةَ... 

 

ونضربُ لذلك مثالًا واضحًا:

إنَّ العلاقةَ الحميمةَ (غيرَ الشرعيَّةِ) بينَ الرجلِ والمرأةِ لا تسبِّبُ المشاعرَ نفسَها لدىٰ جميعِ الأشخاصِ؛ إذ أنَّنا نجدُ أنَّ مَنْ يعتقدُ بحُرْمَتِها الدينيَّةِ مثلًا سيشعرُ بألمٍ نفسانيٍّ شديدٍ نتيجةَ الندمِ مِنَ الوقوعِ في هذا الذنبِ مُرْفَقًا بالخوفِ مِنْ عاقبتِه الأخلاقيَّةِ (الكارما) فضلًا عَنِ استحقاقِ العقابِ الأُخْرَوِيِّ. أمَّا مَنْ لا يجدُ بأسًا في العلاقةِ الحميمةِ بلا مُسَوِّغٍ شرعيٍّ لعدمِ اعتقادِه بأنَّها تستمدُّ إباحتَها مِنَ الدينِ، فإنَّه لنْ يشعرَ بذاك الألمِ الذي شعرَ به الشخصُ الأَوَّلُ، وإنَّما سيشعرُ بلذَّةٍ غامرةٍ لا يُزاحِمُها أيُّ إحساسٍ سلبيٍّ مِنْ عتابٍ ولومٍ وندمٍ ... 

وهكذا كلُّ ما يعترضُنا في هذه الحياةِ؛ فإنَّه لا يملكُ أنْ يمنحَنا اللَّذَّةَ أو الألمَ بنفسِه ما لم نعتبرُ أو نعتقدُ أنَّه عِلَّةٌ للشعورِ باللَّذَّةِ أو الألمِ. 

 

ونختمُ بمثالٍ آخرَ:

إنَّ الناظرَ إلىٰ شخصٍ قابعٍ في غرفةٍ يقفُ عندَ بابِها حارسٌ يحولُ دونَ خروجِه وفرارِه، يعتقدُ أنَّ ذاك القابعَ مسجونٌ وبالتالي فهو يعاني ألمًا شديدًا جَرَّاءَ قيدِ حرِّيَّتِه، وأنَّ ذاكَ الحارسَ طَلِقٌ ومتنعِّمٌ بحرِّيَّتِه. ولكنْ لو دقَّقْنا النظرَ لوجدْنا أنَّ هذا التشخيصَ نابعٌ مِنْ اعتبارِنا واعتقادِنا نحن؛ إذْ قد يكونُ الأمرُ معكوسًا تمامًا باعتبارِ كلٍّ منهما واعتقادِه؛ كما لو اعتبرَ ذاك القابعُ في الغرفةِ أنَّ غرفتَه هذه هي عالمُه الخاصُّ الذي تنتهي عندَه رغباتُه زاهدًا بما هو خارجُها، بينما اعتبرَ الحارسُ مكانَ حراستِه المُسَوَّرَ هو بالحقيقةِ والواقعِ سِجْنُهُ الذي لا يمكنُه مغادرتُه؛ لأنه مُوكَلٌ بحراسةِ ذاك القابعِ!

وهكذا يكونُ مَنِ اعتبرْنا أنَّه ينبغي أنْ يشعرَ بألمِ السجنِ لأنَّه قابعٌ في غرفةٍ صغيرةٍ، يشعرُ بلذَّةِ الاكتفاءِ والرضا والقناعةِ، بينما مَنِ اعتبرْنا أنَّه ينبغي أنْ يشعرَ بلذَّةِ الحريَّةِ لأنَّه خارجُ تلك الغرفةِ، يشعرُ بألمِ الحصارِ داخلَ أسوارِ السجنِ وهو حبيسُ نوبةِ الحراسةِ علىٰ ذاك السجينِ! فَلْنَتَدَبَّرْ.

➖➖➖➖➖➖➖

د. السيد حسين علي الحسيني 

واتساب: 009613804079 



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

البحوث الفقهية

بحوث فلسفية وأخلاقية

البحوث العقائدية

حوارات عقائدية

متفرقات

سؤال واستخارة

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 منشأ الدراما النفسية (لماذا نحزن؟)

 الهدف من الحياة

 خطر إهمال الخمس

 التسليم عند ديفيد هاوكينز

 العدالة الاجتماعية بين الفطرة والتجربة

 هل النبيُّ أمِّيٌّ

 نشر الأعمال العباديَّة عن النبيِّ وأهل البيت

 ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر

 التحايل السياسي (الإمام علي والمغيرة - نُصْحُ اليومِ وتحايلُ الغدِ)

 الإسلام القرآني

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 قضاء الصلاة

 للمرأة وتسريح شعر الرأس واللحية

 وجوب النبوة

 حقد يزيد على الإمام الحسين بسبب امرأة

 الحضانة والمحاكم

 هل الله يغفر للقاتل المتعمد؟

 صيغة الزواج الدائم والمنقطع وأيام كراهتهما

 القدّوس

 ذات عادة وقتية غير عددية رأت الدم في وقتها

 أنواع الطلاق

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net