﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 الرغبة في ممارسات الحب فطريتها وشرعيتها 

القسم : بحوث فقهية   ||   التاريخ : 2011 / 06 / 17   ||   القرّاء : 17823

        نقول: الرجل والمرأة حينما تجمعهما قصة حب سواء توخَّيا الزواج من ورائها أم لا -حيث غالبا لا يفكر الحبيبان في اللحظة الأولى من الانجذاب بعش الزوجية، وإنما يأسرهما حيِّز ما، أو خصائص معينة دعت إلى استنفار المشاعر الجنسية عندهما ولو بدرجة متدنية- تقع منهما ممارسات قولية وفعلية تتشابه في قصص الغرام بقدر كبير.

من هذه الممارسات القولية: الكلام عن الحب وقصصه، والغزل وقصائده، وذِكر مواطن الإعجاب عند الاثنين، والتحدث عن التجارب السابقة، وما يتمنى كل منهما أن يلقاه لدى الشريك...

أما الممارسات الفعلية: فمن قبيل المقاربة المكانية، والسعي الحثيث للجلوس بقرب الحبيب حتى يتمكن كل منهما من شم عطر الآخر، وتذوُّق أنفاسه، والشعور بحرارة مجلسه.

ومنها أيضا الاختلاء في مكان لا يُتوقع أو يُستبعد دخول ثالث عليهما، وهذا قد يحدث بين أربعة جدران، أو قرب الشاطئ، أو عند شجرة لمياء الظل، أو خلف المبنى، أو تحت الدرج، أو داخل سيارة، أو حتى في مصعد يتمنيان أن يتعطل أو تنقطع عنه الكهرباء...

ولا يخفى ما يحدث في ظل تلك الظروف من اللمس، وتدليك اليدين لفحص حرارتهما ونسبة الرطوبة في كفّيهما، إلى توسّد كتف الحبيب الذي ترتفع حرارته في تلك اللحظات حتى يخرج الدخان من أذنيه وعينيه، إلى الحضن، وربما التقبيل، إلى حيث تأخذهما الغريزة، وتسوقهما الشهوة، وتقودهما التجارب الفعلية أو المستقاة عن الفضائيات ومواقع الانترنت أو أحاديث السابقين عن هذه البطولات العاطفية!

هنا قد يتبادر إلى أذهان أفراد المجتمعات (المتديّنة) غير المتفقّهة، أو الشرقية المتزمّتة، أو الجاهلة بالطبائع الحسيّة للمخلوقات، أن الرغبة بهذه الأمور محرمة أو قبيحة أو شاذة، ولا نعني بذلك الشعور الذي أثبتنا فطريته وشرعيته، بل رتبة متأخرة عنه وتتعقب تولّده في النفس، وهي الرغبة بتطبيق تلك المشاعر الجارفة على مصاديقها الخارجية.

فالحق أن الرغبة هذه طبيعية، لا ينبغي أن يتناوش عليها عاقلان؛ فإن الرغبة بالاختلاء بالحبيب، وتفريغ شحنات الحنان والعاطفة المحبَّسة في عظام الركبتين، تصرّف إنساني، بل فطري محض، وعليه عوّل الحق سبحانه فيما ناجى به كليمه موسى (عليه السلام) كما ورد في خبر المفضل بن عمر؛ حيث قال (عز من قائل): "يا بن عمران، كَذَب من زعم أنه يحبّني، فإذا جنّه الليل نام عني، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه؟!"(1).

إذًا، كما أن الشعور بالحب فطري شرعي، فالرغبة في إفراغه كذلك. ولا ينفك أحدهما عن الآخر؛ إذ لا معنى لشعور خلا من محركيّة الرغبة في تحقيق المشعور به.

ومن هنا لم يحرِّم الشارع المقدّس هذا الشعور، ولا الرغبة في تجسيده، وإنما حرّم الرهبانية العادلة عنه عدول الرطوبة عن الماء؛ كما جاء في خبر زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليس في أمتي رهبانية"(2).

ولم يكتف الحق سبحانه بنفي الحرمة عنه، بل حبّبه إلى الناس حتى صدع بذلك أنبياؤه وحججه (عليهم السلام) الذين يمثلّون الفطرة الأسلم والأكمل؛ فقد ورد في خبر أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "حُبِّب إلي من دنياكم ثلاث: النساء، والطيب، وجُعلت قرة عيني في الصلاة"(3). وفي صحيحة معمر بن خلاد، عن أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) قال: "ثلاث من عرفهن لم يدعهن: جز الشعر، وتشمير الثياب، ونكاح الإماء"(4).    

وبمقتضى فطرية هذه المشاعر، والرغبة في تحقيقها، وحتمية وقوعها، ولما كان الإسلام دين الفطرة، شرّع المولى ما يقنّن ممارسة تلك الرغبات، ويوجّه محفزاتها، ببيان الصالح ليكون طرفا في هذه العُلقة، وما يجوز وما لا يجوز فيها، روْمًا لاستقامة الفرد والمجتمع ضمن منظومة إنسانية تراعي حاجات الإنسان، دون أن تخل بالمصلحة العامة.

        وبهذا ثبتت فطرية وشرعية الشعور بالحب، والرغبة في ممارسته، أما ما يجوز ولا يجوز فيه، فنتركه لمبحث محرمات الحب.

 



(1) وسائل الشيعة ج7، ص 78.

(2) وسائل الشيعة ج10، ص 524.

(3) وسائل الشيعة، ج2، ص 144.

(4) وسائل الشيعة ج2، ص 104.



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

البحوث الفقهية

البحوث العقائدية

البحوث الأخلاقية

حوارات عقائدية

سؤال واستخارة

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 كَبُرْتُ اليوم

 الاستدلال بآية الوضوء على وجوب مسح الرجلين

 العدالة

 السعادة

 قوى النفس

 البدن والنفس

 تلذُّذ النفس وتألمها

 العبادة البدنية والنفسية

 العلاقة بين الأخلاق والمعرفة

 المَلَكَة

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 دعاء العهد

 وجود الله تعالى 1

 كيفية الوضوء

 زيارة الإمام الحسن بن علي المجتبى (عليهما السلام) يوم الاثنين

 التجارة

 المد الواجب المتصل

 في مختلف المطالب

 الرسم والتجسيم والتصوير

 المبحث الخامس عشر: النـزاع في المشتق مرتبط بالاستعمال

 الإمام محمّد بن عليّ الجواد (عليهما السلام)

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net