﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 الذكورية في استعراضات الأنثى 

القسم : متفرقات ثقافية   ||   التاريخ : 2025 / 08 / 04   ||   القرّاء : 32

الذكورية في استعراضات الأنثى

رَغْمَ أنَّ التبرُّجَ والتزيُّنَ يُعدَّانِ - في حدِّ ذاتِهما - مَنِ السماتِ المرتبطةِ بالأنوثةِ، إلَّا أنَّ الرغبةَ في استعراضِ الجسدِ ومفاتنِه على الملأِ، والجرأةَ في جذبِ الانتباهِ على مسارحِ الأنظارِ، تنطوي على نزعةٍ ذكوريَّةٍ متخفِّيةٍ في لباسٍ أنثويٍّ.

ومِنْ خلالِ هذا البحثِ سنحاولُ كشفَ هذا التداخلِ بينَ الأمرينِ مِنَ المنظورِ الأخلاقيِّ والنفسيِّ والاجتماعيِّ والدينيِّ. 

 

من منظور الفلسفة الأخلاقية 

في الفلسفةِ الأخلاقيَّةِ، يُعتبرُ الحياءُ فضيلةً ترتبطُ بالكرامةِ الإنسانيَّةِ، بينما يُعدُّ الاستعراضُ الجسديُّ نوعًا مِنْ خيانةِ الذاتِ للفطرةِ الأخلاقيَّةِ العليا. ومِنْ ثَمَّ، فإنَّ تجاوزَ الأنثى لحدودِ الحياءِ إلى لغةِ العرضِ والإغواءِ، يُعَدُّ خروجًا عَنْ حدِّ الاعتدالِ، ومساهمةً في لغةِ السوقِ والاستهلاكِ؛ حيثُ تُحَوَّلُ الذاتُ إلى سلعةٍ. وهذا السلوكُ يُقاربُ الذكوريَّةَ مِنْ حيثُ طبيعتُه الهجوميَّةُ لا الدفاعيَّةُ، والفاعلةُ لا المُتلقِّيةُ.

 

من المنظور النفسي 

المرأةُ فطريًّا أكثرُ ميلًا إلى الحياءِ والتحفُّظِ، وتكوينُها النفسيُّ يميلُ إلى التعبيرِ العاطفيِّ لا التنافسيِّ. أمَّا الميلُ إلى الاستعراضِ ولفتِ الأنظارِ الجسديِّ، فهو يتعارضُ مع هذه الطبيعةِ الحَيِيَّةِ، ويقتربُ مِنْ صفاتِ الذكرِ الذي يسعى إلى بسطِ حضورِه وفرضِ ذاتِه. فالجرأةُ الاستعراضيَّةُ قد تعكسُ اضطرابًا في الهويَّةِ الجنسيَّةِ، أو ردَّ فعلٍ تعويضيٍّ على شعورٍ بالنقصِ أو غيابِ التقديرِ الداخليِّ.

 

من المنظور الاجتماعي 

التحوُّلاتُ الثقافيَّةُ المعاصرةُ، ولا سيَّما الخطابُ الإعلاميُّ الرأسماليُّ، قد دفعتِ الأنثى إلى استبطانِ قِيَمٍ لم تكنْ جزءًا مِنْ أنوثتِها الأصيلةِ؛ مثلَ التنافسيَّةِ بالمجاهرةِ الجسديَّةِ، والتسليعِ الذاتيِّ. وفي هذا السياقِ، يصبحُ الجسدُ وسيلةَ عرضٍ وسلاحَ تأثيرٍ، فتمارسُ فيه الأنثى دورًا أقربَ لما كان يُطلبُ مِنَ الذكرِ، في محاولةٍ لاكتسابِ السيطرةِ أو القبولِ أو القيمةِ مِنْ خلالِ جسدِها في الوقتِ الذي تثورُ فيه على كلِّ من يراها جسدًا. 

 

من المنظور الديني

تُجْمِعُ الأديانُ الإبراهيميَّةُ على أنَّ الحياءَ زينةُ المرأةِ، وشُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ إيمانِها، وأنَّ التبرُّجَ الاستعراضيَّ أُولى مزالقِ الاعوجاجِ عَنِ الفطرةِ الصفيَّةِ والسليقةِ السويَّةِ. 

- أمَّا في الكتابِ المقدَّسِ، فقد جاءَ في رسالةِ (بولس) الأُولى إلى (تيموثاوس): "(٩) وَكَذلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ الْحِشْمَةِ، مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّل، لاَ بِضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ الثَّمَنِ، (١٠) بَلْ كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى اللهِ بِأَعْمَال صَالِحَةٍ. [١ تيموثاوس ٢] 

- كما نجدُ القرآنَ الكريمَ يتوقَّفُ ليثنيَ على مِشْيَةِ وقولِ المرأةِ في قولِه تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ... (٢٥)} [القصص]

كلُّ ذلك يحثُّ على حشمةِ المرأةِ في مظهرِها وسلوكِها، ويدلُّ على أنَّ الجرأةَ في المجاهرةِ في استعراضِها لمفاتنِها هو سلوكٌ مرفوضٌ دينيًّا؛ لما فيه مِنْ تَعَرٍّ روحيٍّ قبلَ أنْ يكونَ جسديًّا، وميلٍ ذميمٍ إلى ذكوريَّةٍ تَوَهَّمَتْ أنَّها بهذه الاستعراضاتِ تبتعدُ عنها لتصبحَ أكثرَ أنوثةً، بينما هي تجذبُها بعنفٍ ناحيةَ الذكورةِ.

 

خاتمة

إنَّ الاستعراضَ الجريءَ للمرأةِ سلوكٌ متطرِّفٌ، بل هو في جوهرِه نزعةٌ ذكوريَّةٌ ينضوي على خيانةٍ للفطرةِ الأنثويَّةِ الحَيِيَّةِ، وتَبَنٍّ لأدوارٍ لا تنتمي إلى طبيعةِ الأنوثةِ. وإنَّ العودةَ إلى التوازنِ تتطلَّبُ وعيًا بالحدودِ الفطريَّةِ، وتحرُّرًا مِنْ ضغطِ الأنماطِ الاجتماعيَّةِ المختلَّةِ مِنْ حولِنا، وتذكيرًا بقيمة الحياءِ كقيمةٍ إنسانيَّةٍ لا تُنْقِصُ مِنَ المرأةِ، بل تكملُ أنوثتَها.

➖➖➖➖➖➖➖➖

د. السيد حسين علي الحسيني 

واتساب: 009613804079 



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

البحوث الفقهية

بحوث فلسفية وأخلاقية

البحوث العقائدية

حوارات عقائدية

متفرقات

سؤال واستخارة

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 الذكورية في استعراضات الأنثى

 العائلة نواة المجتمع

 وَهْمُ الكمالِ

 شجرة_البؤس: (رؤية تحليليَّة)

 مَنْ لَا يُصْلَحُ تَرْكُهُ أَصْلَحُ

 كيمياء الحب واختيار الشريك (الدوبامين - الأوكسيتوسين)

 إطالة العزاء الحسيني لأكثر من ثلاثة أيام

 صفات اللّٰه

 آداب تطبيقات التحادث

 الشذوذ في الكتب السماوية

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 متفرقات صلاة الجماعة

 الاستخارة والتفاؤل بالقرآن

 مخارج الحروف

 هل أهان الله الكلب بتنجيسه؟

 نزاهة آباء النبي وأمهاته عن الدناءة والكفر

 الناصر العلاّم

 هل الله متكلِّم؟

 نية النيابة والمماثلة

 حكمة الطير

 التأمين

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net