أجمع علماؤنا على وجوب معرفة الله تعالى (1)، وصفاته الثبوتيّة (2)، والسلبيّة (3)، والنبوّة والإمامة والمعاد (4). والدليل على ما ذُكِر-أي وجوب معرفة ما تقدّم- من أربعة أوجه : اثنين عقليّين واثنين سمعيّين (5). الدليلان العقليّان على وجوب المعرفة:
» وجوب دفع الضرر: إنّ المعرفة تدفع الضّرر الناشئ من الاختلاف في وجود الله تعالى وعدم وجوده ؛ فبما أنّ وجوده ممكن ، يعني معاقبته على المعصية كذلك ممكنة ، وهذا الإمكان يوجب الخوف الذي يجب دفعُه لأنه ألَمٌ نفسانيّ يحكم العقل بوجوب دَفْعِهِ مع الإمكان ، وهذا الدفع لا يتحصّل إلا بالمعرفة ، فمن هنا وَجَبَت (6).
» وُجوب شُكْرِ المنُعِم: إنّ شكر المنعم واجب عقلا لاستحقاق الذمّ من العقلاء بتركه (7)، والشّكر لا يتمّ إلا بمعرفة المنعم المستأهل الشّكر حتى يتلاءم مع حاله (8). والباري تعالى منعم ، فيجب شكره ، فيجب معرفته . وهذا الشّكر- كما سيتّضح – يتحقّق بامتثال التكاليف الشرعيّة (9)، فيجب معرفتها ، والمعرفة الحقّة للتكاليف التي من خلالها نتوصّل إلى شكره الملائِـم لحاله ، هذه المعرفة- لا تتمّ إلا بمعرفة مبلِّغها ، وهو النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحافظها وهو الإمام (عليه السلام) ، ومعرفة المعاد لاستلزام التكاليف وجوب الجزاء .
_____________________ (1) وهكذا دخل الأصل الأوّل من أصول الدين والمذهب وهو " التوحيد ". ونشير إلى أنّ أصول الدين المتّفق عليها بين المسلمين ثلاثة : التوحيد والنبوّة والمعاد ، بينما أصول المذهب عندنا نحن الإماميّة خمسة : التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد . (2) مثل أنَّ الله عالم قادر خالق ... ، فقد سمّيت " ثبوتيّة " لأنّها تثبت صفات معيّنة لله تعالى ، ومنها " العدل " وهي الأصل الثاني للمذهب . (3) مثل أنَّ الله ليس بجسم... ، فقد سمّيت " سلبيّة " لأنّها تسلب أي تنفي صفاتٍ معيّنةً عن الله تعالى . (4) وبهذه الثلاثة تمَّت الأصول الخمسة للمذهب . (5) المقصود بالدليل السّمعيّ أي النقليّ المُسْتَقَى من النّصوص الدينيّة -آيات وروايات- ، وينبغي الإشارة هنا إلى أنّ هذا الدّليل جيء به للتبرّك من جهة ، ولإسناد الموقف العقليّ وتأييده من جهة أخرى ، كما يمكن التعويل عليه في مقام الردّ على من اتّخذ هذين المدركين-الآيات والروايات- سَنَدًا له . ولا يمكن الاتّكاء عليه في مقام الاستدلال على وجوده تعالى ؛ لإنّ الفرض أنّنا ننطلق من نقطة الصفر ، وبهذا لا يمكن الإعتماد على الأدلة السمعيّة المتوقّفة على الإيمان بالله ، فضلا على عدم امكانيّة اقحامها على طاولة المناظرة العلميّة مع من لا يؤمن بالله أو لا يؤمن بهما –أعني القرآن والسّنة- فتأمّل . (6) وَجَبَت المعرفة . (7) أي تَرْكِ الشّكر . (8) نضرب مثالا لذلك كما لو أنّ المنعِم شخص محدود المعرفة ، فلو شكرناه بإهدائه كتاب الشفاء لابن سينا ، لما تلاءم الشكر مع حال المشكور ، بل لو أهديناه قميصًا مزركشًا وكان عجوزًا لعدَّ ذلك إهانة والأمر جليّ . (9) أي من قِبَل الشّارِع المقدّس .
|