﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 العائلة نواة المجتمع  

القسم : متفرقات ثقافية   ||   التاريخ : 2025 / 08 / 01   ||   القرّاء : 31

العائلة نواة المجتمع (مقاربة نفسية اجتماعية دينية) 

تُعَدّ العائلة اللَّبِنَة الأولى في بناء المجتمع الإنساني، وهي الوحدة الأساسية التي تتشكل فيها أولى معاني الهوية، والانتماء، والقيم. وبتكامل المقاربات العلمية والنفسية والاجتماعية والدينية، تبرز العائلة كضرورة وجودية لا غنى عنها في تشكّل الأفراد والمجتمعات.

 

العائلة من المنظور النفسي

من الناحية النفسية، تُشكّل العائلة البيئة الأولى التي يكتسب فيها الطفل شعور الأمان، وتُبنى فيها شخصيته، وتُرسّخ أنماط التعلّق العاطفي. فالطفل الذي ينشأ في عائلة مستقرة تتسم بالحب والاحترام، غالبًا ما يُظهر توازنًا نفسيًّا وقدرة أكبر على التفاعل الإيجابي مع الآخرين. وقد أثبتت نظريات مثل نظرية (التعلّق) (Attachment Theory) أنّ نوعية العلاقة بين الطفل ووالديه تُحدد أنماطه في العلاقات المستقبلية.

 

العائلة من المنظور الاجتماعي

اجتماعيًّا، العائلة ليست فقط إطارًا لتنشئة الأفراد، بل هي آلية نقل القيم والعادات والتقاليد والثقافة. تُسهِم في ضبط السلوك وتوجيهه ضمن منظومة من الأعراف والمعايير. وعبر تاريخ المجتمعات، كانت العائلة مركز النشاط الاقتصادي، والمصدر الأول للتكافل والرعاية. وحين تضعف العائلة، يتفكك النسيج الاجتماعي، وتظهر النزاعات، وتزداد نسب الجريمة والتشرّد.

 

العائلة من المنظور الديني

في جميع الأديان السماوية، تُعدّ العائلة مؤسسة مقدّسة، لا مجرّد رابطة اجتماعية.

- ففي اليهودية، نجد نفس القدسية للعائلة، إذ تُعدّ الأم عماد التربية، والأب ناقل العهد، ويُعَدّ البيت مركز العبادة والدراسة (المنزل كمعبد صغير)، والوصايا العشر للنبي موسى (عليه السلام) تبدأ باحترام اللّٰه تعالى وتنتهي باحترام الأسرة.

- وأما في المسيحية، فتُشبَّه العلاقة الزوجية بعلاقة المسيح بكنيسته، في دلالة على القداسة والتضحية المتبادلة. يقول بولس الرسول:

"أيها الرجال، أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها" [أفسس 5: 25].

وتوصي التعاليم الإنجيلية بالأبوة الرحيمة، والأمومة المضحية، والبنوة الطائعة، والعلاقات القائمة على المحبة والغفران.

- وفي الإسلام، يبدأ بناء العائلة بعقد شرعي يُسمّى الميثاق الغليظ، وصفه اللّٰه تعالى بهذا الوصف في قوله:

{وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21].

فإنَّ تربية رعاية الأسرة أمانة ومسؤولية سنوقف يوم القيامة للمساءلة عنها، قال النبي (صلَّى اللّٰه عليه وآله وصحبه وسلَّم): "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته...". وقال: "كفى بالمرء إثمًا، أنْ يضيِّع من يعول". 

 

خاتمة

اتَّضح ممَّا تقدَّم، أنَّ العائلة حاضنة للقيم التوحيدية، ومرسىً للأمان التربوي. ومن خلال هذه المنظورات، نلاحظ أنّ العائلة ليست فقط محض وسيلة اجتماعية للتكاثر أو العيش، بل هي مسرحٌ للعبادة اليومية، ومدرسةٌ لتشكيل الروح والخلق والإيمان. وما انهيار العائلة إلا مؤشّر على تراجع القيم الدينية والروحية في المجتمع.

إذًا، العائلة ليست فقط نواة المجتمع، بل هي محرّكه ومرآته وركيزته. ومن أراد بناء أمة متماسكة، فعليه أن يبدأ من بناء العائلة. وعندما تكون العائلة قوية، تُنتج أفرادًا أصحّاء نفسيًّا، ناضجين اجتماعيًّا، ومتماسكين روحيًّا. وعندما تضعف، يظهر التفكك على كل المستويات.

لذلك، فإن إصلاح العائلة ليس شأنًا خاصًّا، بل مسؤولية جماعية، تبدأ من السياسات العامة، ولا تنتهي عند التربية المنزلية.

➖➖➖➖➖➖➖➖

د. السيد حسين علي الحسيني 

واتساب: 009613804079 



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

البحوث الفقهية

بحوث فلسفية وأخلاقية

البحوث العقائدية

حوارات عقائدية

متفرقات

سؤال واستخارة

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 العائلة نواة المجتمع

 وَهْمُ الكمالِ

 شجرة_البؤس: (رؤية تحليليَّة)

 مَنْ لَا يُصْلَحُ تَرْكُهُ أَصْلَحُ

 كيمياء الحب واختيار الشريك (الدوبامين - الأوكسيتوسين)

 إطالة العزاء الحسيني لأكثر من ثلاثة أيام

 صفات اللّٰه

 آداب تطبيقات التحادث

 الشذوذ في الكتب السماوية

 الفرقة الناجية

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 القراءة في الجماعة

 لماذا إنا لله راجعون (لا عائدون)؟

 المجيد الماجد

 حقا حقا

 صوم المغمى عليه

 موت النائب

 القرض

 زبدة ليالي بيشاور

 البارئ المصوِّر

 صيد السمك

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net