التوسل بأهل البيت (عليهم السلام):
بداية ، إنّ العبد لا يحتاج لواسطة مع الله ؛ فإنّنا نلاحظ أنّ الأسئلة التي تُطْرح على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الأمور الخارجة عن ذات الله المقدّسة كانت تتصدّر بلفظة " قل " (1)، أي أنّ الله جعل النبيّ واسطة في الإجابة عن هكذا نوع من الأسئلة ، إلا في سؤال واحد انتفت هذه اللفظة ، وهو في قوله تعالى : >وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذا دَعَانِ ...< (2)؛ فإنّ هذه الآية المباركة فيها سؤال عن ذات الله المقدّسة ، لذلك انعدمت الوسائط مبدئيًّا بين الخالق والمخلوق ، إلا أنّنا نعتقد أنّ النقص الحاصل في ذوات الممكنات العاصية ، والآثام التي تجترحها ، تشكّل حجابا ، وظُلْمة ، لا نَضْمَنُ معها وصول الدّعاء على غِرار قوله تعالى : >قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنْسَى< (3)؛ عندها يأتي التوسّل بأخيار البشر ، ومن رُدَّت لهم الشّمس ، وانشقّ القمر ، عسى الله بذلك ينظر إلينا ، ويرحمنا ، فقد أرشدنا تقدّست أسماؤه إليهم بقوله : >يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله َ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلةَ ...< (4).
زبدة المخضّ : إنّ التوسّل ضمان للإجابة ، ولو كان السّؤال مسموعا من الله لا محالة ، فهو السّميع البصير ، مَن عنده مفاتِح الغيب ، فمِن الغباء تصوّر التوسّل بمعنى أنّ لأهل البيت (عليهم السلام) حصّة في العبوديّة ، بل كلّ ما في الأمر أنّ للشّارع المقدّس أبواب يؤتى منها ، وأبوابه أحبَّاؤه وأصفياؤه ، وقد تعبّدنا بالدّخول منها ، واعتبر المجيء من غيرها رهان غير مضمون . الحمد لله الذي أعزّنا بمحمّد وآله صلوات الله عليهم أجمعين .
_____________________
(1) > يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ ...< سورة البقرة الآية : 189. > يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْـرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ ...< سورة البقرة الآية : 214. >يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ...< سورة البقرة الآية : 217. >يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ...< سورة البقرة الآية : 219 . > يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمُْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ...< سورة المائدة الآية : 4. (2) سورة البقرة الآية : 186 . (3) سورة طه الآية : 125-126 . (4) سورة المائدة الآية : 35 .
|