﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 هل الله جسم؟ 

القسم : صفات الله تعالى   ||   التاريخ : 2011 / 03 / 05   ||   القرّاء : 15852

هل الله جِسْمٌ (1)؟

     ← الدليل على عدم جسمانيّته من وجهين :
     » أوّلا : إنّ كلّ جسم مفتقر إلى مكان يحلّ فيه ، وقد تقدّم أنّ المفتقر لغيره ممكن ، فلا يكون الله كذلك (2).
     » ثانيا : إنّ الجسم مركّب من أجزاء يفتقر إليها لتَحَقُّقِه ؛ كافتقار الماء للأوكسجين والهيدروجين ، والافتقار إمكان كما تقدّم .
     ونُرْدِفُ على ما قلنا قوله تعالى : >... ليسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهو السَّميعُ البَصِيرُ< (3)؛ فالآية المباركة نَفَت مطلق المِثلِيَّة على الله تعالى ، سواء كان المِثل جسما أم لا . 

     ← ولقائل أن يقول : ما هو إذن تفسير الآيات المُجَسِّمة لله تعالى أو الموحية بتجسيمه نظير : 

    1- >وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ الله ِمَغْلُولَةٌ (4) غُلَّتْ أيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ...<(5)، فإنّ هذه الآية قد صرَّحت بأنّ الله يمتلك يَدَيْنِ مبسوطتينِ ، ومَن له يَدَان لا محالة جُسْمان؟
     الجواب : التعبير باليد المغلولة على لسان اليهود ، وباليد المبسوطة في جوابه تعالى كناية (6) عن البخل في الأوّل ، وعن الكرم والسَّخاء في الثاني ، وهو كثير في اللغة العربية ، حيث إنَّ الكناية من ضروب علم البيان الذي يُتَوَصَّل به إلى التخلُّص من التعقيد المعنوي للعبارة ، فينبغي تأويل هذه المعاني وحملُها على ما يناسب ما قطعنا به في استدلالنا العقليّ بعدم جسمانيّة الباري تعالى .

     2- >وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفًّا صَفًّا< (7) :
      وهنا أيضا قد يُقال : إنّ الله يَجيءُ مع الملائكة صفّا صفّا إلى مَحْضَرِ الخلائق ، ومجيئُه يعني تحرُّكُه من مكان لآخر ، والتَّحرُّك والانتقال من مزايا الأجسام التي تنتقل من مكان فتخلو منه ، وتَحِلُّ في مكان فَتَتَحيَّزُ فيه (8) .
     الجواب : المقصود من الآية المباركة بقوله تعالى : >وجاء ربّك ...< ؛ أي جاء أمْرُ ربّك وحُكْمُه .

     وهكذا ، فإنَّ جميع الآيات والروايات التي استَعْمَلَت الألفاظَ الموهِمَةَ التجسيمَ للباري تعالى ، لا يَسَعُنا إلا أن نحملها على مثل ما أوَّلناه في الآيات الآنفة ، لنُوَفِّق بين ما توصَّلنا إليه بالأدلة العقليّة القطعيّة ومعاني هذه الآيات والروايات .

     3- >ثمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أو أدْنَى﴾ (9) :
     جاء في دعاء النُدْبَة عن المعصوم (عليه السلام) ما يُوَضِّح ذلك فقال : " فكان قاب قوسين أو أدنى دُنُوًّا واقترابا من العليّ الأعلى " . والدنوّ قُرْبٌ ، والتدلّي نزول ، والقاب مقدار الشيء ، فيكون الرسول (صلة الله عليه وآله وسلم) في حادثة الإسراء والمعراج قد اقترب من ربِّه هذا المقدار اليسير ، فأيُّ شيء يعني هذا القرب المكانيّ سوى المحدوديّة للواجب تعالى وبالتالي جسمانيّته ؟
      ننقل ما جاء في تفسير هذه الآية في الميزان :
     جاء في تفسير القميّ بإسناده عن اسماعيل الجعفي قال : كنت في المسجد الحرام قاعدا وأبو جعفر عليه السلام في ناحية ، فرفع رأسه فنظر إلى السّماء مرّة وإلى الكعبة مرّة ثم قال : >سُبْحَانَ الذي أسْرَى بِعَبْدِهِ ليْلاً من المَسْجِدِ الحَرَامِ إلى المَسْجِدِ الأقْصَى< وكرَّر ذلك ثلاث مرات ثم التفت إليّ فقال : أيُّ شيء يقولون أهل العراق في هذه الآية يا عراقيّ ؟ قلت : يقولون : أسرى به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس . فقال : ليس هو كما يقولون ولكنّه أسرى به من هذه إلى هذه وأشار بيده إلى السّماء وقال : ما بينهما حَرَم . قال : فلمّا انتهى به إلى سِدْرَةِ المُنْتَهَى (10) تخلَّف عنه جبرائيل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا جبرائيل أفي مثل هذا الموضع تخذلني ؟ فقال : تقدَّم أمامك فو الله لقد بَلَغْتَ مَبْلَغًا لم يبلغه خَلْقٌ من خَلْقِ الله قبلك . فرأيت ربّي وحال بيني وبينه السّبحة قلت : وما السّبحة جعلت فداك ؟ فأومأ بوجهه إلى الأرض وأومأ بيده إلى السّماء وهو يقول : جَلالُ ربّي جَلال ربّي ، ثلاث مرات . قال : يا محمد ، قلت : لبّيك يا ربّ قال : فيمَ اختصم الملأ الأعلى (11)؟ قلت : سبحانك لا علم لي إلا ما علّمتني . قال : فوضع يده بين ثَدْيَيْ فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بين كَتِفَيْ . قال : فلم يسألني عمَّ مضى ولا عمَّ بقي إلا عَلِمْتُه.

      أقول: قوله عليه السلام : ( ولكنّه أسرِيَ به من هذه إلى هذه ) أي من الكعبة إلى البيت المعمــور (12)، وليس المراد به نفي الإسراء إلى بيت المقدس ، ولا تفسير المسجد الأقصى في الآية بالبيت المعمور ، بل المراد نفي أن ينتهي الإسراء إلى بيت المقدس ولا يتجاوزه ، فقد استفاضت الروايات بتفسير المسجد الأقصى ببيت المقدس .

      وقوله : صلى الله عليه وآله وسلم : ( فرأيت ربّي ) ؛ أي شاهدته بعين قلبي كما تقدّم في بعض الروايات السابقة ، ويؤيّده تفسير الرؤية بذلك في روايات أخرى . وقوله : ( وحالت بيني وبينه السّبحة ) ؛ أي بلغت من القرب والزُلْفَى مَبْلَغًا لم يبقَ بيني وبينه إلا جَلالُه . وقوله : فوضع يده بين ثَدْيَيْ ( الخ ) كناية عن الرحمة الالهية ، ومُحَصَّلُهُ نزول العِلم من لَدُنْهُ تعالى على قلبه بحيث يُزِيلُ كلَّ رَيْبٍ وَشَكٍّ " (13).

      وبهذا البيان للسيد الطباطبائيّ انتفت الجسمانيّة .

_____________________

(1) الجسم : " هو المُتَحَيِّز - الحالّ في مكان - الذي يَقبل القِسْمَةَ في الجهات الثلاث .
(2) أي جسمًا .
(3) سورة الشورى الآية : 11.
(4) مغلولة : أي ممسِكة عن العطاء .
(5) سورة المائدة الآية : 64 .
(6)   الكناية : " لفظ أطلق وأريد به لازم معناه مع جواز إرادة ذلك المعنى " ؛ كما تقول : (يده بيضاء) ؛ كناية عن النزاهة .
(7) سورة الفجر الآية : 22 .

(8)  تتحيّز أي تأخذ بُعْدا مكانيا .
(9) سورة النجم الآية 8 - 9 .
(10) السِّدْرَة : " منتهى المقامات وصعود الملائكة ، فيها شجرة ذات ألف ألف غصن ، وفي كلّ غصن ألف ألف ورقة ، ولو أنّ ورقة منها سقطت إلى العالم لأظلّته ، ولو أنّ شخصا سار ألف عام تحت غصن واحد لما بلغ نهايته ، وكلّ سواقي وأنهار الحليب والعسل والماء وشراب الجنّة تمرّ من تحتها " . ووجه تسميتها بذلك من " سَدِرَ " أي تحيّر واندهش ؛ فكلّ من يراها يصاب بالدهشة ، وأمّا " المنتهى " : فلأنّها كما مرّ منتهى ارتقاء الملائكة ، بل كلّ ممكنات الوجود ، فقط الرسول محمّد (ص) مكّنه الله تعالى من عبورها . (عقائد ومفاهيم) للسيّد دستغيب . صفحة 101-102 / ط . دار البلاغة .

(11) الملأ الأعلى : " هو عالم لا يعتني مَن فيه ولا يلتفت إلاإلى الله سبحانه وتعالى " . ( عقائد ومفاهيم ) صفحة 102 .

(12) البيت المعمور : " مسجد في السّماء السّابعة مشاد من الزبرجد الأخضر ، وسقفه من الياقوت ، تطوف حوله الملائكة ، وهو مُحَاذٍٍ للكعبة بحيث لو سقط حجر منه بشكل مستقيم لسقط فوق سطح الكعبة " . (عقائد ومفاهيم) صفحة 73 .

(13) تفسير الميزان ج13 : 20-21 / ط . مؤسّسة النشر الإسلاميّ (جماعة المدرّسين) .



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

البحوث الفقهية

البحوث العقائدية

البحوث الأخلاقية

حوارات عقائدية

سؤال واستخارة

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 كَبُرْتُ اليوم

 الاستدلال بآية الوضوء على وجوب مسح الرجلين

 العدالة

 السعادة

 قوى النفس

 البدن والنفس

 تلذُّذ النفس وتألمها

 العبادة البدنية والنفسية

 العلاقة بين الأخلاق والمعرفة

 المَلَكَة

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 المناجاة الثانية عشرة: مناجاة العارفين

 هل الله متكلِّم؟

 شوال

 للإظهار

 أهمية المسجد

 الحليم العظيم

 الخلل في الجماعة

 إمامة الأئمة بعد علي وأنهم أهل البيت (عليهم السلام)

 الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)

 الكبير الحفيظ

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net