﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 هل الله يُرى؟ 

القسم : صفات الله تعالى   ||   التاريخ : 2011 / 03 / 05   ||   القرّاء : 15530

هل الله يُرى؟

     يستحيل على الله الرؤية البصريّة ، لأنّ كلّ مرئيّ ، فهو إمّا مقابل للرَّائي أو في حُكْم ِالمقابِل ، كالصورة في المرآة (1). وكلّ مقابِل أو في حُكْمِه فهو في جهة ؛ أي يَقبَل الإشارةَ الحِسِيَّة ، فلو كان الواجب مَرئيّا لكـان في جهة يشار إليها ، والإشارة الحقيقية لا تتوجّه إلا لجسم ماديّ ، والجسم الماديّ -كما تقدّم- ممكن ، والواجب لا يكون ممكنا ، إذن فهو لا يُرى .

      ونُرْدِفُ على ما قلنا قوله تعالى : ﴿ لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وهو يُدْرِكُ الأبْصَارَ ﴾ (2)، وقوله (عَزَّ من قائل) مُسْتَعْظِمًا طلب رؤيته مُرَتِّبا الذّمَّ والوعيد : ﴿ فَقَد سَألوا مُوسى أكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا الله َجَهْرَةً  (3)* فَأخَذَتهمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلمِهِم ﴾ (4)؛ فلو كانت رؤيته معقولة لما وُصِفَ طلبهم بالكبير ، ولما أنزل عليهم الصاعقة عقابا .

     ولقائل أن يقول : ماذا عن قوله تعالى : ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إلى ربِّها ناظِرَةٌ ﴾ (5) :
     ناضِرة بالضاد من النُّضرة وهي الحُسن والجمال . وناظرة بالظاء من النظر وهو الرؤية بالبصر أو البصيرة . والنظر كما مرَّ معنا يستدعي الجِهَوِيَّة وبالتالي الجسمانيّة ، فكيف نوفِّق بين هذه الآية وما وصلنا إليه ؟

     الجواب : إنّ النظر هنا يمكن حَمْلُه دون مُؤنَة على الرؤية البصيريّة -أي القلبيّة- التي تحدث في الدنيا قبل الآخرة لمن استحضر عظمة الله وجبروته في نفسه وروحه .وهذا ما أبرزه أمير الموحدين عليٌّ (ع) " وقد سأله ذُعْلِبُ اليمانيّ ، فقال : هل رأيت ربَّك يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه السلام : أفأعْبُدُ ما لا أرى ؟ فقال : وكيف تراه ؟ فقال : لا تراه العيون بِمُشَاهَدَةِ العِيَانِ (6)، ولكن تُدْرِكُهُ القلوبُ بِحَقَائِقِ الايمان " (7).

     كما يمكن تفسير النظر بمعنى الانتظار ، فتكون النّفس منتظرة ومترقِّبة لنعمة الله وكرامته .

     واعلم أنّ الذي يخطر في أذهان الخلق من تخيّلات يصنعونها ، وصور ينسجونها حول هيئة الباري تعالى ، هذه التوهّمات إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على قصور العقول ، وعجز الأفهام عن كنه معرفة واجب الوجود تقدّست أسماؤه ، وعَظُمَت آلاؤه ؛ " وفي كلام الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام إشارة إلى هذا المعنى حيث قال : " كلّما مَيّزتموه بأوهامكم في أدقِّ معانيه مخلوقٌ مصنوعٌ مثلُكم مردودٌ إليكم ، ولعلَّ النَمْلَ الصِّغَارَ تَتَوَهَّمُ أنَّ للهِ تعالى زبانِيَتَينِ ؛ فإنَّ ذلك كَمَالهُا وتتوهَّم أنَّ عَدَمَهُما نُقْصَانٌ لِمَن لا يَتَّصِفُ بهما ، وهذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به . انتهى كلامه صلوات الله عليه وسلامه " (8).

_____________________

(1) فأنت عند رؤيتك لزيد في المرآة ، أنت عمليّا لم ترَ زيدا مقابلا لك ، وإنّما بحكم المقابل ، وإنّما الذي قابلك هي صورة زيد ، وليس زيدا عينَه .

(2) سورة الأنعام الآية : 103.

(3) جَهَرَ الرَّجلَ : رآه معاينة بلا حجاب .
(4) سورة النساء الآية : 153.
(5) سورة القيامة الآية : 22-23 .
(6) أي بالمشاهدة العينيّة .
(7) نهج البلاغة شرح الشيخ محمد عبده ج2 : 99 / ط . مؤسسة الأعلمي .
(8) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 66 : 292-293 / ط . مؤسّسة الوفاء .



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

البحوث العقائدية

البحوث الفقهية

البحوث الأخلاقية

حوارات عقائدية

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

سؤال واستخارة

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 العلاج من المرض

 القرض

 متفرقات الحج

 الخروج من مكة في عمرة التمتمع وبعدها

 أدنى الحل والمواقيت

 وجوب حج التمتع وأعماله

 الجماع في العمرة المفردة

 أحكام العمرة المفردة

 دخول مكة

 الحج عن الميت

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 أصول الدين

 التعب من الصيام

 عدة من تعجل حيضها بالدواء

 القاضي

 وجود الله تعالى 1

 الاستعاذة

 صلاة الآيات

 أدنى الحل والمواقيت

 الإخفاء الشفوي

 المد اللازم الكلمي والحرفي

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net