هل الله تعالى متكلِّم؟
المُرادُ بالكلام : " الحروفُ والأصواتُ المسموعةُ المُنْتَظَمَةُ " ، ومعنى أنّه تعالـى متكلِّم ؛ أنَّه يوجِدُ الكلامَ في جِسْمٍ من الأجسام كما أوْجَدَ الكلامَ في الشَّجَرَةِ فَسَمِعَهُ موسى (عليه السلام) ، لا أنَّ الكـلامَ قائـمٌ به ، وإلا لكـانَ ذا حاسَّـةٍ لتوقُّف وجود الحروف والأصوات على وجود آلَتَيْهِما بالضّرورة ، فيكون الباري تعالى ذا حاسّة ، وهو باطل لاستلزامه الجِسمانيّة ، والجِسمانيّة تستلزم الافتقار ، والواجب تعالى لا يكون فقيرا .
والدَّليل على إمكان تكلُّمه ما مرَّ في بحث القدرة ؛ فإذا كان التكلُّم من الممكنات تتعلّق قدرة الباري تعالى به. ولكن ما مِن دليل عقليّ يُمَكِّنُنَا من إثبات وقوع التكلُّم خارجا إلا السَّمع بقوله تعالى : >... وَكَلَّمَ الله ُ موسى تَكْلِيمًا< (1) ، >تلكَ الرُّسُلُ فَضَّلنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّم الله ُ...< (2).
شبهات وردود :
← أوّلاً : إذا كان الواجب تعالى عالِما بجميع المعلومات الممكنِ منها والواجب تعالى، فيكون عالِما بذاته ، وبما أنّ علمه عينُ ذاته ، فتكون ذاته وعلمُه شيئًا واحدا ؛ أي أنّ العالِمَ والمعلومَ شيءٌ واحد . ولكنّ العلم -كما هومعلوم- إضافة بين العالم والمعلوم ، والإضافة تقتضي المغايرة ؛ أي لا بدّ في الإضافة من مغايَرة المضافِ للمضافِ إليه ، وفي المثال لا بدّ من مغايرة العالم للمعلوم . الجواب : صحيح أنّ مِصْدَاقَ العالِم والمعلوم واحد (3)، وهي ذات الباري المقدّسة ، ولكنهما متغايران مفهوما -أي في الذِّهن- من الحيثِيَّة الجِهَوِيَّة ؛ فالواجب تعالى من جهة عالِم ، ومن جهة أخرى معلوم ، وهذا التغاير المفهوميّ كافٍ لتَحَقُّقِ الإضافة .
← ثانيا : إذا كان الواجب تعالى عالِما بجميع المعلومات وبكلِّ حالاتها ، فيكون عالِما بتغيّرها ، ممّا يؤدّي إلى تغيّر علمه أيضا ؛ فعلمه بالشجرة مورِقةً غيرُ علمه بها بعد تساقط أوراقها ، وتغيّر علمه يعني تغيّرَ ذاته لأنّ علمَه عينُ ذاته .
الجواب : في المقام لدينا عالِمٌ وهو الواجب تعالى، ومعلومٌ خارجيّ وهو الممكن المُحْدَث ، وتعلّقٌ أو إضافةٌ بين العالِـم والمعلوم ، ما إنْ تحصَل هذه الإضافةُ حتى تتّصف ذاتُه بالعِلم ، وبتغيّر المعلوم لا يتغيّر علم الذات الذي يلزم منه تغيّر الذات نفسها ، وإنّما تتغيّر الإضافة وهي أمر إعتباريّ لا ضيْرَ من تغيّرها . _____________________
(1) سورة النساء الآية 164 . (2) سورة البقرة الآية 253 . (3) أي أنّ وجودهما الخارجيّ واحد ؛ فالعالِم في المثال هو عين المعلوم .
|