﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 الله قادر مختار 

القسم : صفات الله تعالى   ||   التاريخ : 2011 / 03 / 05   ||   القرّاء : 15118

الله قادر مختار بذاته (1):

     القادر المختار : " هو الذي إذا شاء أن يفعل فَعَل ، وإن شاء أن يَتْرُكَ تَرَك " (2). و الموجَب خلافه (3). والدليل على ذلك : إنّ الواجب تعالى لمّا كان مُوجِدا للحوادِث ، وهي التي تُسْبَق بالعدم (4)؛ من قبيل الحركة والسكون والأجسام ... لمّا كان موجِدا لها – إذا كان موجَبا فلا تتخلّف الحوادث الممكنة عنه لأنّها آثاره ، فيلزم أن تكون هذه الحوادث معه ترافقه في وجوده ؛ يعني في أزليّته وأبدِيَّتِه ، فتكون واجبة (5)، وهو محال لكونها ممكنة ، فيثبت المطلوب بأنّ الواجب تعالى  قادر مختار .

     قدرته تتعلق بجميع المقدورات :

     إذا لم تكن قدرة الواجب تعالى متعلِّقة بجميع المقدورات ، فلا يخلو إمّا أن يكون مانِعُ التعلُّق من الواجب تعالى أو المقدورات عينِها ، ولا ثالثَ لهما . فإذا نَفَينا كلا المانعين وجب التعلُّق حينها .
     ← أوّلا : نَفْيُ المانع من جهة الواجب تعالى:
     إنّ الذي اقتضى كونه تعالى قادرا هي ذاته المقدّسة ، ونسبة الذات إلى جميع المقدورات واحدة؛ لأنّها مُجَرَّدة (6)، فيكون مقتضاها وهي القدرة متساوية النسبة لجميع المقدورات أيضا . فثبت بذلك أنّه لا مانع من تعلّق قدرة الواجب تعالى بجميع المقدورات من جهته .    

     ← ثانيا : نَفْيُ المانِع من جهة المقدورات :
     إنّ الذي اقتضى كونَ الشيء مقدورا عليه إمكانُه ، والإمكـانُ مشتَرَكٌ بين الكـلِّ ، بين الخير والشرّ ، وبين الحَسَنِ والقبيح ... فتكون صفة المقدوريّة مشترَكَةً بين الممكنات . فثَبَتَ بذلك أنّه لا مانع من تعلّق قدرة الواجب تعالى من جهة المقدورات .

     ← ثالثا : النتيجة : وإذا وُجِدَ المقتضي للتعلّق وهو ذاتُ الواجب تعالى وإمكانُ المقدورات ، وانتفى المانع بالنسبة إلى القادر والمقدور ، وجب التعلّق العامّ بجميع المقدورات ، وهو المطلوب .

شبهات وردود :

     ← أوّلاً : إذا كانت قدرة الواجب تعالى متعلّقة بجميع المقدورات ، فلماذا عَجِزَ عن إدخال الدنيا في بيضة ، والبيضة كهيئتها ، كما ذُكِرَ في حِوَار عيسى (ع) مع إبليس (7)؟

     الجواب : إنّ قدرة الواجب تعالى تتعلّق بالمقدورات ، أي بالممكنات لا بالممتنعات ، وإدخال الكبير في الصغير مع بقاء كلٍّ منهما على حجمه ممتنعُ الوجود ، وهذا لا ينافي التعلّق العامّ لأنّ الإمتناع من ذات الممتنع نفسِه ، لا من ذات الواجب تعالى؛ أي من القابل لا من الباعث . كما إذا أرادَ المتنبّي إسماعَ الطرشانِ شِعْرَه ، فكيف له ذلك ؟‍‍! والعجز في المقام من القابل لا من الباعث ؛ أي من جهة طَرَشِ الطرشان لا من المتنبّي .

     نرجع إلى المِثال ، فإنّ افتراض كون الواجب تعالى فاعلا للممتنع لازِمُهُ أنّه مُجْبَرٌ أو قُلْ معاكِسٌ لإرادته ؛ فإنّ إدخال الدنيا في البيضة يستلزم إرادة الواجب تعالى  جعل البيضة كبيرة مع إرادته بإبقائها صغيرة ، وبذلك يكون معاكِسا لإرادته ومجبرا ؛ فهو من جهة إرادته لِصِغَر البيضة مُجْبرٌ على إرادتها كبيرة ومعاكِسٌ لإرادته الأولى (8)، ومن جهة إرادته لِكِبَر البيضة مُجْبَرٌ على إرادتها صغيرة ومعاكسٌ لإرادته الثانية (9).

     ← ثانيا : سَلَّمنا أنَّ الواجب تعالى قادرٌ على الممكنات لاستحالة الممتنعات بذاتها ، ولكن يلزم من ذلك أن يفعل الواجب تعالى الشرّ والقبيح لإمكانهما ، فكيف ذلك وهو الحكيم العادل الذي لا يفعل القبيح (10)؟

     الجواب : اِعلم أنّه لا يلزم من التعلّق الوقوع خارجا ؛ أي لايلزم من قدرته على كلِّ شيء أن يفعل كلَّ شيء ، فأنت قادِر على أن ترميَ نفسك من الشُّرفة ولكنَّك لا تفعل لِحِكْمَتِك ، فعدم فعلِك للشيء لا يعني عجزَك عنه .

_____________________

(1) هاتان صفتان إيجابيّتان متلاصقتان ، لأنّ القدرة : "هي الصفة الني يتمكّن الحيّ من الفعل وتركه بـالإرادة " .
(2) أي أنّ نسبة إيجاد الفعل وتركه متساوية عند القادر المختار : ﴿إنَّما أمْرُهُ إذا أرادَ شَيئًا أنْ يَقُولَ لهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ سورة يس الآية 82 .
(3) فلا تتساوى النسبة لديه فإمّا أن يلاصِقه وجود الفعل أو لا ؛ من قبيل الشمس فهي مجبرة على الإشعاع ، والنَّار التي تلازمها الحرارة . فيتَّضح أنّ الموجَب لا يتخلّف أثرُه عنه .
(4) والحوادث بما أنّها تتّصف بالوجود تارة وبالعدم أخرى فهي ممكنة الوجود .
(5) لِما اتّضح من أنّ الأزليّة والأبدِيّة سِمَةُ الواجب تعالى الذي لا أوّليّة له ولا آخِرِيّة .
(6) المجرّد :" ما لا يكون محلاّ لجوهر ، ولا حالاّ في جوهر آخر ، ولا مركّبا منهما "  التعريفات للجرجاني صفحة 201/ دار الكتب العلمية .
(7) مرَّ هذا الكلام في الفصل الأوّل " إثبات واجب الوجود لذاته " .
(8) أي إرادة صِغَرِ البيضة .
(9) أي إرادة كِبَرِ البيضة .
(10) سيأتي دليل حِكمته وعدله في مبحث العدل .



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

البحوث الفقهية

البحوث العقائدية

البحوث الأخلاقية

حوارات عقائدية

سؤال واستخارة

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 كَبُرْتُ اليوم

 الاستدلال بآية الوضوء على وجوب مسح الرجلين

 العدالة

 السعادة

 قوى النفس

 البدن والنفس

 تلذُّذ النفس وتألمها

 العبادة البدنية والنفسية

 العلاقة بين الأخلاق والمعرفة

 المَلَكَة

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 الرزّاق الرازق

 المهيمن

 التحريم بالزنا والعقد ووطء الشبهة

 صوم المجنب

 عدة من لا تحيض وهي في سن من تحيض

 نفي جسمانية الله تعالى

 هل يستحب المشي في زيارة الحسين (عليه السلام)؟

 الجبر والتفويض

 اللطيف الخبير

 اللقطة

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net