﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 التعب من الصيام 

القسم : محاضرات رمضانية   ||   التاريخ : 2011 / 01 / 29   ||   القرّاء : 16598

في كل سنة يقبل علينا شهر رمضان المبارك، فنستعد له، لنستقبله أحسن استقبال، ولكن لما صار يأتي في شهور الحر والعطش، نجد أن الناس سرعان ما تتململ منه، وتبدأ بعدِّ ساعات نهاره كما يعد السجين ساعات حبسه، ويظلون على هذه الحال يعدون الساعات والأيام حتى ينقضي عنهم، فتراهم فرحين برحيله، وكأنهم يفارقون ضيفا كان ثقيلا عليهم، لماذا؟ لأن العطش والجوع أنهك قواهم، ولأنه هذا ما كانوا يوجهون إليه حواسهم طيلة أيام هذا الشهر الكريم؛ فشهر رمضان بالنسبة لهم ، شهر للجوع والعطش والحرمان من اللذائذ.

إلا أن الله الكريم الرحيم، لم يعاملنا بالمثل، وإنما هوَّن علينا تعب الصوم بعدة أمور:

أولا: لذة الخطاب: حينما قال: >كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياما معدودات<، يعني يا أحبتي، الصوم تكليف قديم، مارسه السابقون، والهدف منه أن تتقوا الله  وأن تصح أبدانكم، وليس الله من ينتفع منه. تماما كما يخفف الأهل على أولادهم حينما يرونهم يتعبون من الدراسة خصوصا في السنة الأخيرة حيث الامتحانات الرسمية، فيتوتر الولد، ويوتر أهله معه، فيقولون له: الدرس فائدة لك، وقد درس إخوتك من قبل، توكل على الله إنما هي سنة وتمر.

ثانيا: التشجيع بثواب غير متصور، بقوله: "الصوم لي وأنا أجزي به"، و"للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه"، فما هي هذه الفرحة؟ لم يذكرها الله، ليزيد في حماسنا وتشويقنا، وليعلمنا أن جائزة الصائم أمر عظيم لا يوصف. فإن سماع الصائم مثل هذا الكلام الصادر عن الحضرة الإلهية، يشد العزيمة، ويحث على الفعل، بل على الإخلاص في الفعل. ألا ترى أن المؤسسات التي لا تشجع موظفيها، ولا تعطيهم رواتب وجوائز قيمة، تثبط عزيمتهم، وتجعلهم يمارسون أعمالهم بنفس محبطة، مالة، لا حيوية فيها ولا إخلاص؟!

ثالثا: حينما تقدم خدمة لصديق، وهذا الصديق لا يعرف أنك من قدمت له الخدمة، فقد يزعجك ذلك، لأنك تحب أن يرى صديقك مدى ما فعلته من أجله. ولكن ليس هذا هو الحال مع العالم بأحوال العباد، لذا هوّن علينا تعالى ما قد نؤاسيه في عباداتنا بالقول: >والله يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين<، يعني الله يراك، ويرى أفعالك، ويرى قيامك وصيامك، فلن يضيع ثوابك، وكما قال: >إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا<. وهذا يذكرني بموقف الإمام الحسين (عليه السلام) حينما ذبح ابنه بين يديه، حيث أخذ بدم ولده ورمى به نحو السماء قائلا: "هوّن ما نزل بي أنه بعين الله".

وهكذا عرفنا كيف أن الله خفف عنا تعب الصيام، بلذة خطابه لنا حينما أمرنا بالصوم، وبوعده بثواب يليق بشأنه وضيافته، وبمواستنا بأنه يرانا ويعرف ما قد يصيبنا من جوع وعطش، وأنه لا يضيع أجرنا.

وبعد كل هذا لا ينبغي للمؤمن أن يتأفف من الصوم، كيف ذلك، والحال أنه لو طلب شخص منا خدمة فأرهقتنا، ثم جاءنا ليخفف عنا بقوله: عذبناكم، فيكون جوابنا: عذابك راحة، فلا نبدأ بالتأفف والتضجر، وهو إنسان لا فضل له علينا، والفائدة تعود له لا لنا، فكيف برب العزة الذي خلقنا وسوانا ورزقنا الطيبات، ولم يمنعنا عنها طوال العام، أليس من سوء الأدب معه، أن نتأفف من امثتال أمر له يعود بالنفع علينا لا عليه؟



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

البحوث الفقهية

البحوث العقائدية

البحوث الأخلاقية

حوارات عقائدية

سؤال واستخارة

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 كَبُرْتُ اليوم

 الاستدلال بآية الوضوء على وجوب مسح الرجلين

 العدالة

 السعادة

 قوى النفس

 البدن والنفس

 تلذُّذ النفس وتألمها

 العبادة البدنية والنفسية

 العلاقة بين الأخلاق والمعرفة

 المَلَكَة

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 أحكام الحيض

 زيارة الإمام الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام)

 أماكن التخيير

 غزوة بدر

 الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام)

 المد العارض للسكون

 مسلسل العشق الممنوع

 زيارة الإمام محمد بن علي الجواد التقي (عليهما السلام)

 المناجاة التاسعة: مناجاة المحبين

 هل الله جسم؟

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net