﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 القسيسون والرهبان في القرآن 

القسم : متفرقات قرآنية   ||   التاريخ : 2025 / 02 / 12   ||   القرّاء : 266

🔴 #القسيسون_والرهبان_في_القرآن
لماذا خصَّصَ القرآن الكريم #القسيسين بالذِّكْرِ دُوْنَ غيرِهم مِنَ الرُّتَبِ الكَنَسِيَّةِ؟ ولماذا قدَّمَ القسِّيسين على #الرهبان؟
قالَ تعالىٰ: {... وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ ((قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا)) وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}[سورة المائدة: ٨٢]
1️⃣ #تخصيص_القسيسين_والرهبان_بالذكر
أمَّا القِسِّيسُونَ مفرد #قسيس؛ فقدْ خصَّهم القرآنُ الكريمُ بالذكرِ في مقامِ المدحِ دُوْنَ غيرِهم مِنَ الرُّتَبِ الكنسيَّةِ. ولقائلٍ أنْ يقولَ: لعلَّ تخصيصَهم بالذِّكْرِ مِنْ بابِ أنَّ الرُّتَبَ الكنسيَّةَ لم تكنْ معروفةً عند نزولِ القرآنِ وظهورِ الإسلامِ المحمديِّ، وبالتالي فالاسم الشائع لرجال الدين المسيحيِّينَ حينذاك هو (القِسِّيسُونَ).
وجوابُه: بدأتْ الرُّتَبُ الكنسيَّةُ بالظهور من أوائل حياة الكنيسة، ولكنَّها تنظَّمتْ بشكل رسمي في أُولى عُقودِ القرنِ الرابعِ الميلاديِّ بعدَ ابتداءِ #الإكليروس: (وهو النظامُ الكهنوتيُّ الخاصُّ بالكنائسِ المسيحيَّةِ الذي تأسَّسَ في أُولى القرنِ الرابع الميلاديِّ)؛ أي خلالَ المجامعِ الأُولى، وقبلَ ظهورِ الإسلامِ قرابةَ ٢٠٠ عامٍ ويزيدُ. وعليه، يبقى السؤالُ وجيهًا: أنْ لِمَ خصَّصَ القرآنُ الكريمُ (القسِّيسينَ) بالذِّكْرِ؟!
أقولُ:
(القسِّيس) - بحسبِ التقليدِ المسيحيِّ - رتبةٌ كهانوتيةٌ أسَّسَها السيِّدُ المسيحُ (على أمِّه وعليه السلام) عندما اختارَ تلاميذَه الاثنَي عَشَرَ. وقدْ تحدَّثَ عنها بولسُ في رسالتِه للـ[عبرانيين ٥: ٤] قائلاً: "وَلاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ هذِهِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، بَلِ الْمَدْعُوُّ مِنَ اللهِ، كَمَا هَارُونُ أَيْضًا".
إذًا، (القِسِّيس) هو عَالِمُ الدينِ الذي خَلَفَ المسيحَ في رسالتِه مهما كانتْ وظيفتُه المولجةُ إليه بفعلِ تنظيماتِ الرُّتَبِ التي طرأتْ على الكنيسةِ بعدَ ذلكَ والتي سنذكرُها في بحثٍ لاحقٍ بإذن اللّٰهِ تعالى.
فـ(القِسِّيسون) بَدْوًا هم خلفاءُ المسيحِ وأوصياؤُه #الحواريون حسبَ التعبيرِ القرآنيِّ، ثُمَّ خلفاءُ أوصيائِه، ثُمَّ خلفاء خلفاء أوصيائه...
ومِنْ هنا خصَّه تعالى بالذِّكْرِ في القرآنِ الكريمِ، فهو العالمُ بالشَّريعةِ الموسويَّةِ والمسيحيَّةِ التي تنضوي تحتَها كلُّ الرُّتَبِ الكَنَسِيَّةِ، وهو صائنُ الأسرارِ ومُعْطِيهَا للمؤمنينَ، وحاملُ أمانةِ الوحيِ.
وأصلُ كلمةِ (قِسِّيس) يرجعُ إلى اللفظةِ السريانيَّةِ "ܩܫܝܫܐ" #قشيشا، وتعني #الشيخ أو الرجلَ ذا المرتبةِ العاليةِ بِقَدْرِهِ وَعِلْمِهِ وروحانيِّتِهِ وتَقْوَاهُ. وتقابلُها في اليونانيَّةِ كلمةُ #أبريسفيتيروس بمعنى (الشيخ) أيضا؛ وذلك نظرًا لأهميَّةِ وظيفتِه ومكانتِه، وتوقيرًا له حتى ولوْ لمْ يصلْ إلى سنِّ الشيخوخةِ بعدُ.

وأمَّا الرُّهْبَانُ جَمْعُ #راهب، فقدْ تلاهُ القرآنُ الكريمُ بالذِكرِ بعدَ (القِسِّيسين) في مقامِ المدحِ أيضًا، وقدْ خصَّهم بالذِّكْرِ؛ لأنَّ #الرهبانية: صفةٌ عباديَّةٌ شَرَفِيَّةٌ - لا مرتبةٌ كنسيَّةٌ - وتعني لغةً: "العكوفَ على العبادةِ والتَّهَجُّدِ والزُّهْدِ في فضولِ المعاشِ"، وتزيدُ في معناهَا اللغويِّ كَنَسِيًّا بِحَصْرِ النفسِ عَنْ شهوةِ الجسدِ الجنسيَّةِ.

والرهبانيَّةُ بمعناهَا اللغويِّ ممدوحةٌ في الإسلام، وصالحةٌ لأيِّ إنسانٍ عالمًا كانَ أم لا، ما لم تشغلْه عَنْ واجباتِه العائليةِ والاجتماعيةِ والمعيشيةِ الضروريةِ، ولكنْ دُوْنَ تَرْكِ التزويجِ الذي فرضتْهُ الكنيسةُ على بعضِ أفرادِهَا مِنَ الرجالِ والنساءِ؛ فقال تعالى: {... وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ... }[سورة الحديد: ٢٧]. وقالَ رسولُ اللّٰهِ (صلَّى اللّٰهُ عليه وآلِه): "لا رَهْبَانِيَّةَ فِي الإِسْلَامِ"، فنفى بذلك الرهبانيةَ بهذا المعنى خاصَّةً، بل قالَ: "الزَّوَاجُ سُنَّتِي"، فَنَدَبَ إلى الزواجِ صَوْنًا للنفسِ عَنْ مزالقِ الزنَا. وقال: "رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ"، وعنى بالجهادِ الجِهَادَيْنِ؛ أي #الجهاد_الأكبر: وهو مجاهدةُ النفسِ بِكَبْحِ جماحِها عَنِ الآثامِ ورذائلِ الخُلُقِ، و #الجهاد_الأصغر: وهو القتالُ في سبيلِ اللّٰهِ تعالى برفعِ رايةِ الحقِّ وإقامةِ العدلِ ودَفْعِ الظلمِ ورفعِه.

2️⃣ #تقديم_القسيسين_على_الرهبان
أما تقديمُ القسيسينَ على الرهبانِ في الآيةِ أعلاه، ففيه إشارةٌ إلى أنَّ حَمْلَ أمانةِ العلمِ وتبليغَه أعظمُ عندَه تعالى مِنَ الرهبنةِ؛ لأنَّ الفائدةَ في نشرِ العلمِ ومكارمِ الأخلاقِ عامَّةٌ لعيالِ اللَّهِ جميعًا، بينما فائدةُ العبادةِ خاصَّةٌ بالعابد، لذلك كان نشرُ العلمِ أجدرَ بالجِّدِّ والسعيِ؛ ولذلك فُضِّلَ العَلَّامَ على العَبَّادِ بل على الشهداءِ، فقال (صلَّى اللّٰهُ عليه وآلِه): "يُوزَنُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِدَادُ العُلَمَاءِ وَدَمُ الشُّهَدَاءِ، فَيَرْجَحُ عَلَيْهِمْ مِدَادُ العُلَمَاءُ على دَمِ الشُّهَدَاءِ". وإنْ كانَ لا يخفى على أُولِي الألبابَ الذين يميِّزون القشرَ مِنَ اللُّبابِ أنَّ تقديمِ النفسِ على مذبحِ الشهادةِ في سبيلِ إعلاءِ كلمةِ اللّٰهِ لا يعلوها شيءٌ مِنْ جهةِ التفاني والإيثارِ؛ كما جاء عَنْ رسولِ اللّٰهِ: "فَوْقَ كُلِّ ذِي بِرٍّ بِرٌّ حَتَّى يُقْتَلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِذَا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَيْسَ فَوْقَهُ بِرٌّ".
كما جاءَ في فَضْلِ العلمِ وتزكيتِه بالنشرِ على العبادةِ ما يطولُ ذَيْلُهُ ويغورُ قَعْرُهُ. واللّٰهُ العالمُ بحقائقِ الأمورِ.
➖➖➖➖➖➖➖
د. السيد حسين الحسيني
واتساب: 009613804079



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

البحوث الفقهية

بحوث فلسفية وأخلاقية

البحوث العقائدية

حوارات عقائدية

متفرقات

سؤال واستخارة

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 هل يقال: أنا فاطر أم مغطر؟

 متلازمة ستوكهولم

 لماذا اختص الله شهر رمضان لنفسه

 طلاق الحامل

 سياسة الخنزير

 نشر الأحاديث مفطر

 رمضان مهبط الكتب السماوية

 كيف دعانا الله إلى الصوم

 سياسة الحمار والكلب

 آراء الفقهاء في رؤية الهلال

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 فضل يوم الجمعة

 أوقات الصلاة

 زيارة الإمام علي بن محمد الهادي النقي (عليهما السلام) يوم الأربعاء

 المعزّ المذلّ

 المهر في الزواج الدائم والمؤقت وحال الاعتداء

 الجواد شديد العقاب

 علة فرض الصلوات الخمس

 التوحيد

 النذر المعين والمشروط

 الخروج من مكة في عمرة التمتمع وبعدها

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net