﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 تحقيق في محل قبر السيدة زينب 

القسم : متفرقات دينية   ||   التاريخ : 2025 / 02 / 12   ||   القرّاء : 229

🔴#تحقيق_في_محل_قبر_السيدة_زينب
1⃣ القول الأول: #قبرها_في_المدينة
وهو قول السيد محسن الأمين العاملي الحسيني (1284- 1371 هـ/ 1867- 1952 م) من علماء المسلمين الشيعة، لبناني الأصل من قرية (شقرا) من قرى جبل عامل - جنوب لبنان. انتقل إلى مدينة دمشق مرجعًا للشيعة فيها، وسكن في أحد أحيائها الذي حمل فيما بعد اسمه (حي الأمين). توفي في بيروت، ولكنه دُفن في ريف دمشق في المقام المعروف بمقام السيدة زينب بنت علي ابن أبي طالب (عليهم السلام).
وعلى الرغم من أن السيد الأمين قد قضى معظم حياته في دمشق بجانب المقام المنسوب إلى السيدة زينب، إلا أنه لم يوافق على دعوى أن قبرها الشريف في تلك المحلة؛ حيث قال: "يَجبُ أن يكون قبرها في المدينة المنوّرة، فإنّه لم يثبت أنها ـ بعد رجوعها للمدينة ـ خَرجت منها، وإن كان تاريخ وفاتها ومحل قبرها بـ(البقيع) مجهولًا، وكم من أهل البيت أمثالها من جُهِلَ محلُّ قبره وتاريخ وفاته، خصوصًا النساء".
وسيأتي في القول الثالث ما يدل على أنها (عليها السلام) كانت ترفض رفضا قاطعا الخروج من مدينة جدها رغم كل تهديدات السلطة. ولكن لا يمكن القول إن ثمة أدلة قاطعة على هذه الدعوى وإن كانت وجيهة.

2⃣ القول الثاني: #قبرها_في_الشام
وخلاصة هذا القول: أنّ السيدة زينب الكبرى سافرت مع زوجها وهو ابن عمها (عبد الله بن جعفر الطيار ابن أبي طالب) إلى الشام بسبب المجاعة التي زُعِمَ أنها وقعت في المدينة المنوّرة؛ حيث قيل إنه اختار الذهاب إلى الشام؛ لأنه كان يملك في ضواحي دمشق ضَيْعَةً (بستان أو مزرعة)، فسافر مع زوجته وعياله إلى هناك، وبعد وصولها بمدّة وجيزة مَرِضَت (سلام الله عليها) وماتت ودُفِنت هناك.
ولكن فضلا عن أن هذا الكلام ليس مؤيدا بدليل قاطع أيضا، فإن هناك الكثير من المقولات التي تدحضه، منها:
- أوَّلًا:
إنَّ المُنَقِّب لا يجد في كلام أحد من المؤرّخين ذِكْرًا لوقوع مجاعة في المدينة المنوّرة! ثم إن كانت قد وقعت، ففي أيّ سنة كانت تلك المجاعة؟!
- ثانيًا:
لم يَذكر مؤرّخ أنّ عبد الله بن جعفر كان له قُرى ومزارع خارج الشام حتى يأتي إليها ويقوم بأمرها.
- ثالثًا:
لو سلَّمنا جدلا بوقوع المجاعة في المدينة؛ فأنَّى للطالبيين أن يختاروا الدولة التي قررت قتل إمامهم الحسين (عليه السلام) لتكون ملاذًا آمنًا لهم من هذه المجاعة المزعومة؟!
- رابعًا:
ما جاء في كتاب كامل البهائي، قوله: "رُوي أنّ أمّ كلثوم أُختَ الحسين ( عليه السلام ) توفّيت بدمشق (سلام الله عليها). فلعل الاشتباه قد وقع بينها وبين أختها الكبرى السيدة زينب. والباحث في بطون كتب التاريخ يجد أن السيدة زينب قد وُصفت بـ(الكبرى) تفريقًا بينها وبين أختها أم كلثوم التي عرفت بـ(زينب الصغرى) لا الكبرى.
كما لم يقل أحد من المؤرّخين أن السيدة زينب كانت تُكنّى بـ(أم كلثوم)؛ فقد ذكرها المسعودي والمفيد وابن طلحة وغيرهم دون أن يقول أحد منهـم أنّهـا تكنّى بـ(أم كلثوم)، بل كلّهم سمّوها : (زينب الكبرى) وجعلوها مقابل أمّ كلثوم. وعليه يكون المرجَّح الأوجه أن القبر في الشام يعود لأم كلثوم وليس للسيدة زينب.
-خامسًا:
ما قاله ابن بطوطة في رحلته المعروفة: "وبقرية قِبَلي البَلَد أي بلدة (دمشق) ـ على فرسخ منها: مشهد أم كلثوم ابنة علي ابن أبي طالب من فاطمة (عليها السلام)". إذًا هو ليس قبر عقيلة بني هاشم.
- سادسًا:
حينما أُرِيدَ تجديد بناء الحرم المنسوب للسيدة زينب (عليها السلام) الموجود في ناحية دمشق ـ قبل حوالي أربعين سنة ـ وحَفَروا الأرض لبناء الأُسُدة ووصلوا إلى القبر الشريف، وجدوا عليه صخرة رُخام محفور عليها:
"هذا قبر زينب الصغرى المكنّاة بأم كلثوم ابنة علي بن ابي طالب، أمّها فاطمة البتول سيّدة نساء العالمين ابنة سيّد المرسلين محمد خاتم النبيين (صلّى الله عليه وآله سلم)".
- سابعًا:
إن قبر عبد الله بن جعفر زوج السيدة زينب في الحجاز؛ ففي كتاب (عمدة الطالب) و(الاستيعاب) و (أُسد الغابة) و(الإصابة) وغيرها: أنّه مات في المدينة ودُفن بالبقيع. وزاد في (عُمدة الطالب) القول بأنّه مات بـ(الأبواء) ودُفن فيها. وعليه، كيف يستقيم أن تكون السيدة زينب قد سافرت مع زوجها فرارا من مجاعة المدينة ثم يتركها وحدها في الشام؟!

3⃣ القول الثالث: #قبرها_في_مصر
كانت السيدة زينب صاحبة قضية الاستمرار في إعلاء كلمة الحق في وجه الحاكم الفاجر الفاسق المتجبِّر، وقد مات في سبيلها كل ذويها، ومقتضى أمانة حمل لواء هذه القضية أن يظل مرتفعًا صدَّاعًا في وجه الطغيان والاستبداد وفساد الطبقات الحاكمة. وهذا بالضبط ما فعلته السيدة زينب في الأشهر القليلة التي عاشتها بعد عودتها من كربلاء إلى المدينة. ونظرا لصخب صوتها الهدَّار ومدى تأثيره، بدأ الوالي على المدينة (مروان بن عبد الملك) يستغيث في طلب المشورة حول هذا الخطر الداهم الذي انتشر في كل أرجاء المدينة والذي كاد يقوِّض الحكم الجائر.
وبينما الأمر كذلك، جاءت تعليمات (يزيد بن معاوية) بتفريق البقية الباقية من آل البيت (عليهم السلام) في الأقطار والأمصار بعيدًا عن المدينة، فبادر والِيها مروان إلى استدعاء السيدة زينب مخيِّرًا إيَّاها بأن تختار بلدًا تعيش فيها بعيدًا عن المدينة، فردَّت عليه بحزم: "قد علم والله ما صار إلينا: قُتِلَ خيرُنا، وسيق الباقون كما تُساق الأنعام، فوالله لا خَرَجْنَا وإن أُريقت دماؤنا". وهذه الموقف يدعم بمضمونه القول الأول من أنها لم تبرح المدينة حتى وافتها المنيَّة هناك.
ولكن نسوان القبيلة الهاشمية أقْنَعْنَها بضرورة الرحيل عن المدينة حتى تنجو بنفسها وبآلها من بطش محقَّق لا مناص منه إن هي أصرَّت على موقفها وبقيت في المدينة معارضة رغبة يزيد.
وكان صعبًا على بنت الزهراء أن تغادر مدينة جدها ومهد طفولتها وصباها وأجداث أجدادها؛ إلا أنها وقد جُبِلَتْ على التضحية، قررت الخروج إلى بلد آخر تستطيع فيه أن تواصل ثورتها ضد جبروت الطغيان الأموي، بأن توقظ وعي الناس، وتحفِّزهم على إيقاظ ضمائرهم لإحياء سنة جدِّها المصطفى ونشر الولاء لآل بيته الكرام.
ومن هنا منشأ القول الثالث من أنها اختارت أن تشد رحالها إلى أرض الكنانة (مصر) مصطحبة ذويها، لتقطع مشوارًا بالغ المشقة والإجهاد؛ حيث تدهورت منه صحتها التي أضناها السفر بعد السبي والسفر، وكثرة ما رأت واحتملت وعانت من فواجع.
وفي غرة شعبان أو رجب عام واحد وستين للهجرة دخلت السيدة زينب مصر؛ حيث كانت الجموع ساهرة في استقبالها منذ أيام في قرية قرب (بلبيس)؛ حيث التقاها وفد كبير يقوده أمير مصر (مسلمة بن مخلد الأنصاري) في رهط من أعيان البلاد وعلمائها.
وما إن أطلت عليهم بوجهها النوراني حتى استقبلها الناس بحفاوة غير منظورة مجهشين بالبكاء، ورافقوها إلى قصر الوالي الذي قد وهبها إيَّاه للإقامة فيه، لكنها اكتفت بغرفة واحدة فقط في القصر لتقيم فيها، وتجعلها مكانا لتعبُّدها حتى رحلت عن هذه الدنيا التي أذاقتها المرارات بعد فترة وجيزة من وصولها الديار المصرية، وذلك قي الخامس عشر من رجب أو شعبان،لتتحوَّل هذه الغرفة بعد وفاتها إلى مقام ومزار الآن.
وكانت (عليها السلام) قد أوصت قبل وفاتها بأن يتحول باقي القصر إلى مسجد، فكان لها ذلك؛ حيث تحوَّل قصر الوالي إلى مسجد السيدة زينب بجانب مسجد رأس أخيها الإمام الحسين (عليه السلام)، فصارا مقصدًا يحج إليه المؤمنون ويشدُّون إليه الرحال من كل أصقاع الأرض.
ولكن هذا القول الثالث كسابِقَيه أيضا؛ إذ لا يمكن الجزم به بضرس قاطع؛ لعدم كفاية الحجج اليقينية به.
وهكذا يبقى أمر مرقد السيدة زينب (عليها السلام) مسألة يعلوها الغموض إلا لدى من غلبت عنده حجة أحد هذه الأقوال الثلاثة المتقدِّمة. والله العالم بحقائق الأمور.
(والسلامُ على سيدتنا زينبَ يومَ وُلِدَتْ، ويومَ ماتَتْ، ويومَ تُبْعَثُ حَيَّةً).
➖➖➖➖➖➖➖➖
د. السيد حسين الحسيني
واتساب: 009613804079



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

البحوث الفقهية

بحوث فلسفية وأخلاقية

البحوث العقائدية

حوارات عقائدية

متفرقات

سؤال واستخارة

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 هل يقال: أنا فاطر أم مغطر؟

 متلازمة ستوكهولم

 لماذا اختص الله شهر رمضان لنفسه

 طلاق الحامل

 سياسة الخنزير

 نشر الأحاديث مفطر

 رمضان مهبط الكتب السماوية

 كيف دعانا الله إلى الصوم

 سياسة الحمار والكلب

 آراء الفقهاء في رؤية الهلال

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 خمس الهدية

 كَبُرْتُ اليوم

 البسملة

 الحج عن الميت

 مخارج الحروف

 المسافة وحد الترخص

 مرحلة الشيخوخة

 أحكام النون والميم المشددتين والغنة

 الإقامة والتردد

 شهر رجب

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net