﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 المبحث الخامس عشر: النـزاع في المشتق مرتبط بالاستعمال 

القسم : البلوغ والتقليد   ||   التاريخ : 2013 / 03 / 03   ||   القرّاء : 13059

- المحاضرة: 65

- الموضوع: المشتق

- التاريخ: 25\2\2013م - 15\ربيع الثاني\1434ﻫ

 

المبحث الخامس عشر: النـزاع في المشتق مرتبط بالاستعمال:

        قال صاحب الكفاية: "الظاهر أنه لا يعتبر في صدق المشتق وجريه على الذات حقيقة، التلبس بالمبدأ حقيقة وبلا واسطة في العُروض؛ كما في الماء الجاري، بل يكفي التلبس به ولو مجازا، ومع هذه الواسطة؛ كما في الميزاب الجاري، فإسناد الجريان إلى الميزاب، وإن كان إسنادا إلى غير ما هو له وبالمجاز، إلا أنه في الإسناد، لا في الكلمة، فالمشتق في مثل المثال، بما هو مشتق قد استعمل في معناه الحقيقي، وإن كان مبدؤه مسندًا إلى الميزاب بالإسناد المجازي، ولا منافاة بينهما أصلا، كما لا يخفى، ولكن ظاهر الفصول بل صريحه، اعتبار الإسناد الحقيقي في صدق المشتق حقيقة، وكأنه من باب الخلط بين المجاز في الإسناد والمجاز في الكلمة، وهذا - ها هنا - محل الكلام بين الأعلام، والحمد لله، وهو خير ختام".

          هذا هو المبحث الأخير الذي تناوله صاحب الكفاية K في المشتق، وهو أن النـزاع في المشتق هل هو مرتبط بالاستعمال، أم بالإسناد؟ وقبل الخوض في محل البحث نقدم ما يلي:

        أولا: الاستعمال عبارة عن: "استعمال اللفظ في معنى بحيث يكون اللفظ مرآة لهذا المعنى". فإن كان استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له، فيكون استعمالا حقيقيا، وإن كان استعماله في غير المعنى الموضوع له، فإن كان بينه وبين المعنى الموضوع له علاقة، فيكون استعمالا مجازيا، وإلا فيكون غلطا.

        ثانيا: الانطباق عبارة عن: "انطباق الكلي على مصاديقه؛ كعنوان (الإنسان) الذي ينطبق على زيد وعمرو. ولما كان الانطباق أمرا تكوينيا قهريا غير مرتبط بإرادة المستعمِل، فلا يكون مجازيا ولا حقيقيا، بل يتصف بالوجود أوأأو العدم؛ إذ الكلي إما منطبق على هذا الشيء، أو غير منطبق عليه، فإن كان ذاك الشيء من مصاديقه، فالانطباق قهري، وإلا فلا.

        ثالثا: الإسناد أو التطبيق أو الصدق، وهو عبارة عن: "حمل المحمول على الموضوع"، فإن كان إسناد المحمول إلى ما هو له؛ كما في (الماء جار)، فالإسناد حقيقي، وإن كان إسناده إلى غير ما هو له؛ كما في (الميزاب جار)، فالإسناد مجازي.

        ومن هنا يتضح أن المجاز على قسمين:

        - مجاز في الكلمة: وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة بينه وبين المعنى الموضوع له؛ كما في قوله I: >إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا<([1])؛ حيث استعمل كلمة (الخمر) في العنب لعلاقة الأوْل.

        - مجاز في الإسناد أو المجاز العقلي: وهو إسناد المحمول إلى غير ما هو له؛ كما في قولنا: (الميزاب جار)؛ فإنه لا مجاز في الكلمة؛ لأن كلمة (الميزاب) مستعملة في المعنى الموضوع لها، وكذلك كلمة (الجاري)، فإنها مستعملة في المعنى الموضوع لها. وعليه، فالاستعمال حقيقي، إلا أن إسناد الجريان إلى الميزاب إسناد للشيء إلى غير ما هو له؛ لأن الميزاب لا يجري، فيكون مجازيا.

        رابعا: أبدع السكاكي أمرا ثالثا بين الحقيقة والمجاز، وهو ما يعرف بالحقيقة الادعائية؛ حيث نقوم بتشبيه شيء بشيء، ونبالغ في التشبيه حتى يصير المشبه من أفراد المشبه به حقيقة ولكن ادعاء؛ كما في قولنا: (زيد أسد)؛ فإنا شبهنا زيد بالأسد حتى صار زيد فردا من أفراد الأسد، فيصبح للأسد فردان: فرد متعارف، وهو الحيوان المفترس، وفرد غير متعارف، وهو الرجل الشجاع؛ حيث يكون استعمال الأسد فيه استعمالا حقيقيا ولكن ادعاء.

        وقد أُشكل على السكاكي بأن الادعاء مجرد اعتبار، وهو لا يغير من الواقع شيئا؛ فادعاء كون الرجل الشجاع فردا من أفراد الأسد لا يقدح في إبقاء الأسد أسدا منطبقا قهرا وتكوينا على الحيوان المفترس المعروف فحسب. وعليه، فاستعمال الأسد في الرجل الشجاع ليس استعمالا على نحو الحقيقة الادعائية، بل على نحو المجاز في الكلمة؛ حيث استعمل لفظ (الأسد) في مطلق الشجاع، وهو خلاف ما وضع له.

        ولكن الإنصاف أن هذا التصرف في معنى الأسد؛ بحيث يشمل الرجل الشجاع تصرف مقبول لدى العقلاء، ودعوى كون الرجل الشجاع فردًا من أفراده دعوى مستحسنة لديهم؛ لما فيها من المبالغة في التشبيه، فلا مانع حينئذ من القول بالحقيقة الادعائية، وإن بقي في النفس من ذلك شيء.

        إذا عرفت ذلك، فنرجع إلى محل البحث، فإن صاحب الكفاية K بل جل الأصوليين ذهبوا إلى أن المرتبط بمبحث المشتق هو الاستعمال لا الإسناد؛ لأننا نبحث عن أنه هل المشتق موضوع لخصوص المتلبس بالمبدأ؛ حيث يكون استعماله فيما انقضى عنه مجازا، أم موضوع للأعم؛ حيث يكون استعماله فيه حقيقة؟ ففي قولنا مثلا: (الميزاب جار)، نبحث هل (الجاري) موضوع لخصوص المتلبس بالجريان أم للأعم، سواء كان إسناد الجريان إلى الميزاب إسنادا حقيقيا أم مجازيا.

        أما صاحب الفصول K، فقد ادعى ارتباط الاستعمال بالإسناد؛ فإن كان الإسناد حقيقيا فالاستعمال حقيقي، وإن كان الإسناد مجازيا فالاستعمال مجازي. وعليه، فمبحث المشتق مرتبط بالإسناد كما هو مرتبط بالاستعمال.

والحق خلافه؛ لأنه أولا: لا ربط من جهة بين الاستعمال والمجاز؛ إذ قد يكون الاستعمال حقيقيا والإسناد مجازيا؛ كما تقدم في قضية الميزاب؛ فإن استعمال الميزاب وكذا (الجاري) في المعنى الموضوع له، إلا أن إسناد الجريان إلى الميزاب الذي لا يجري، إسناد مجازي.

ثانيا: قد يكون البحث عن المشتق بلا إسناد أصلا؛ كالبحث عن مواضيع الأحكام الشرعية بقطع النظر عن أي إسناد؛ كبحثنا عن مفهوم (أم الزوجة) مثلا، في قولك: (تحرم أم الزوجة) ونحو ذلك.

والخلاصة: إن ما ذهب إليه صاحب الفصول K في غير محله. 

 



([1])  سورة يوسف، الآية 36.



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

البحوث الفقهية

البحوث العقائدية

البحوث الأخلاقية

حوارات عقائدية

سؤال واستخارة

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 كَبُرْتُ اليوم

 الاستدلال بآية الوضوء على وجوب مسح الرجلين

 العدالة

 السعادة

 قوى النفس

 البدن والنفس

 تلذُّذ النفس وتألمها

 العبادة البدنية والنفسية

 العلاقة بين الأخلاق والمعرفة

 المَلَكَة

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 الحسين وديعة النبي

 للأوجاع والأمراض

 التوّاب المنتقم

 المناجاة السادسة: مناجاة الشاكرين

 ذات عادة وقتية عددية رأت الدم في وقتها

 البدن والنفس

 التقاء الحروف

 الاستعاذة

 الدفن

 قل للمشكِّكِ

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net