﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 الإمام بعد الرسول هو عليّ بنُ أبي طالب  

القسم : الإمامة   ||   التاريخ : 2011 / 03 / 05   ||   القرّاء : 16389

الإمام بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو عليّ بنُ أبي طالب (عليه السلام):

      بعد الفراغ من شرائط الإمامة من العصمة ، والأفضليّة ، نشرع في تعيين الإمام .
      إختلف النّاس في تعيين الإمام ، فقال جمهور المسلمين : هو أبو بكر " عتيق بن أبي قُحافة " لاختيار النّاس له . وقال قوم : هو " العبّاس بن عبد المطّلب " عمّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لوراثته . وقالت الإماميّة : هو " عليّ بن أبي طالب " عليه السلام لِلآتي :
     ← أوّلا : التواتر : ما نُقِل عن الفريقين مِمَّا أفاد العلمَ في حقِّه (عليه السلام) :

     » " سَلِّموا عليه بِإمْرة المؤمنين " (1).
     » " أنت الخليفة من بعدي " .
     » " أنت وَلِيُّ كلِّ مؤمن ومؤمنة " .
     » " من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ".
     » " أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي " .

     ← ثانيا : حديث الدّار :
      وهو أوّل نصّ على إمامته (عليه السلام) ، حينما بعث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وراء أقربائه وعشيرته ليدعوَهم إلى الإسلام ، فقال : يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابّا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله عزّوجل أن أدعوَكم إليه ، فأيّكم يؤمِن بي ، ويؤازِرُني على أمري ، فيكون أخي ووصيّي ووزيري وخليفتي في أهلي من بعدي ؟ فأمسك القوم ، وأحجموا عنها جميعا ، فقام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وقـال : " أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك على ما بعثك الله به ، فأخذ (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده ، ثمّ قال : إنّ هذا أخي ووصيّي ووزيري وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعـوا . فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع" (2).

     ← ثالثا : آية الولاية :
      قال تعالى : ﴿إنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله ُ وَرَسُولُهُ والذينَ آمَنُوا الذينَ يُقِيمُونَ الصّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ (3).
نزلت في الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه ، وهو راكع ؛ والوليّ هنا بمعنى الأولى بالتّصرّف ، فيكون أولى بأمورالنّاس من أنفسهم ، وهو الله ، ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعليّ (عليه السلام) لاجتماع صفات الإيمان فيه ، وإقامته للصّلاة ، وإيتائه الزّكاة وهو راكع ، فكما أثبت الله تعالى الولاية لنفسه ، أثبتها لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام عليّ (عليه السلام) .

     ← رابعا : أنّه أفضل النّاس بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيكون هو الإمام لقبح تقديم المفضول على الفاضل ، والدّليل على ذلك من وجهين :
     1- قوله تعالى في آية المُبَاهَلَة (4): ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ﴾ (5)؛ والمراد بـ" أنفسَنا " عليُّ بنُ أبي طالب (عليه السلام) ؛ فإذا كان نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فمن خيرٌ منه؟   
     2- إنّ النبيّ احتاجه في المباهلة دون غيره من أصحابه وأنسابه ، والمحتاج إليه في هكذا حادثة عظيمة أفضل مِمَّن لم يُحْتَجْ إليه .

     وقد صَّرح أبو بكر بعدم أفضليّته عندما قال في خطبته : " ... لست بخيركم فبايِعوا خيرَكم ..." (5)؛ ولا يقصد بذلك النسب ، لأنَّ نسبه كان معلوما للجميع ، وإنّما يقصد أنّه ليس الأفضل في أمور الرياسة وضبط البلاد ، وإقامة العدل ،  وقد أبدى ذلك بقوله : "  إنّ لي شيطانا يحضرني ، فإذا رأيتموني قد غضبت فاجتنبوني ... يا أيّها النّاس تفقّدوا ضرائب غلمانكم ، إنّه لا ينبغي لِلَحْم ٍنَبَتَ من سُحْتٍ أن يدخل الجنّة ، ألا وراعوني بأبصاركم ، فإن استقمت فأعينوني ، وإن زغت فقوِّموني ، وإن أطعتُ الله فأطيعوني ، وإن عصيتُ الله فاعصوني " (6).

     ولا يُقال أنّ في الكلام تواضعا ؛ لأنّ المقام لا يتحمّل المماطلة والفتنةُ على الأبواب ، كما يلزم منه الهروب من مسؤوليّته تجاه الله تعالى والأمّة إن ادُّعي حُسن اختياره ، وهذه المماطلة والهروب لا يليقان بهكذا منصب يُنْتَظَرُ منه تقويم الاعوجاج ، كما كيف يوثق به في دفع الظلم وردّ المظالم وهو يُشَكِّكُهم بنفسه قائلا : " ... إن لي شيطانا يحضرني " ، فتأمّل بقلبك إذ الحقّ أجلى من شعاع الشمس ، وعليٌّ أجلى من الحقِّ نفسِه .

     ← خامسا : عليّ ادّعى العصمة فهو الإمام :
     - الإمام يجب أن يكون معصوما (صغرى) .
     - ولا أحد غير عليّ (ع) ادَّعى العِصمة (كبرى ) .
     » إذن عليّ  (عليه السلام) إمام (النتيجة) .

       أمّا الصغرى فقد مرّ بيانها ، وأمّا الكبرى فللإجماع على عدم عصمة العبّاس ، وأبي بكر .

      وبعد بيان المقدّمتين ثبتت إمامته (عليه السلام) ، وإلا لزم خرْق الإجماع ، أو خلوّ الزمان من المعصوم ، وكلاهما باطلان .

     ← سادسا : أنّه أعلم النّاس :
      وهذا مِمَّا لا ريْب فيه ، حتى إنّ الخلفاء يرجعون إليه في حكم البلاد ، فمِمَّا قاله ابنُ الخطّاب : " لولا عليّ لهلك عُمَر " ، وقال : " بئسَ مُقامٌ ليس فيه أبو الحسن " .

      وحسبُك أنّه تلميذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصّة الذي قال فيه (صلى الله عليه وآله وسلم) : " أنا مدينة العلم وعليّ بابها " ،ومَن أراد
المدينة فليأتها من بابها (7)، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : " أقضاكم عليّ " ... وإذا كان أعلم النّاس تعيّن للإمامة .

     ← سادسا : ظهور المعجزة على يده :
      كما في حادثة قلع باب "خيبر" ، ورفع الصخرة العظيمة عن فم القليب (8)، وردّ الشمس حتى عادت إلى موضعها (9)، وكلام الثّعبان له (10)،  وغيرها مِمَّا لا يحصى .

      ومن ادَّعى الإمامة ، وظهرت المعجزة على يده ، لا بدّ أن يكون صادقا ، وإلا لزم الإغراء بالقبيح ، وهو محـال (11).

     ← سابعا : غير عليّ ممَّن ادُّعيت لهم الإمامة ظَلَمة :
      لا أحد مِمَّن ادُّعِيَت لهم الإمامة من غير عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) يصلح لها ؛ لأنّهم ظلمة بِتّقَدُّم كفرهم ، فلا تنالهم الإمامة لقوله تعالى لنبيّه إبراهيم (عليه السلام) حينما سأله عن المُسْتَحِقّين للإمامة من وِلدِه : ﴿وَإذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنُّ قَالَ إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ (12).

____________________

(1) أي نادوه : يا أمير المؤمنين .
(2) بحار الأنوار ج 18 : 192 / ط . مؤسّسة الوفاء . أسد الغابة "لابن الأثير " ج 4 : 28 / ط . انتشارات اسماعليان .
(3) سورة المائدة الآية : 55 .

(4) المباهلة : " هي الملاعنة ؛ بأن يسأل المتخاصمان الله َ تعالى أن يُهْلِكَ من هو على الباطل ليتّضح الحق " . تواترت الرّوايات في أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج لمباهلة نصارى نجران محتضنا الحسين (عليه السلام) ، وأخذ بيد الحسن (عليه السلام) ، وفاطمة وعليّ يمشيان خلفه ، وهو      يقول : إذا دعوت فأمِّنوا ، فقال الرئيس الدينيّ للوفد : يا معشر النصارى ، إنّي لأرى  وجوها لو دعت الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله ، فلا تباهلوا فتهلكوا ، ثمّ قال : يا أبا القاسم ، رأينا أن لا نباهلك ، فقال لهم : أسلموا ، فأبَوا ، ثمّ صالحهم على أن يؤدُّوا الجزية" .
(5)  كنـز العمّال المتّقي الهندي ج 5 : 631 / ط . مؤسّسة الرسالة .
(6) المصدر السّابق .

(7) ﴿...واتُوا البُيُوتَ مِنْ أبْوَابِهَا...﴾ سورة البقرة الآية : 189 .
(8) أي البئر .
(9) ردّت الشمس لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام مرّتين ، مرّة في أيام رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ومرّة بعد وفاته صلّى الله عليه وآله :
     -  أمّا في أيامه صلّى الله عليه وآله : رُوِيَ عن أسماء بنت عُمَيْس أنّها قالت : " بينما رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) نائم ذات يوم ورأسه في حِجْرِ عليّ عليه السلام ففاتَتْه العصر حتى غابت الشمس ، فقال : " الّلهم إنّ عليّا كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردُدْ عليه الشمس ، " قالت أسماء : فرأيتها والله غربت ثم طلعت بعدما غربت ، ولم يبقَ جبل ولا أرض إلا طلعت عليه حتى قام عليّ عليه السّلام فتوضّأ وصلّى ثم غربت " . 
     - وأمّا بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فإنّه : رُوِيَ عن جويرية بن مسهّر أنّه قال : " أقبلنا مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) من قتْل الخوارج حتى إذا قطعنا في أرض بابل- مازال اسم الموضع مسجد الشّمس- حضرت صلاة العصر فنـزل أمير المؤمنين عليه السلام ونزل الناس ، فقال عليّ (عليه السلام) : أيّها الناس إنّ هذه أرض ملعونة قد عُذِّبَت في الدّهر مرّتين وهي تتوقّع الثالثة وهي إحدى المؤتفكات- مدائن قوم لوط أهلكها الله بالخسف - ، وهي أوّل أرض عُبِدَ فيها وثن ، وإنّه لا يحِلّ لنبيّ ولا لوصيّ نبيّ أن يصليَ فيها ، فمن أراد منكم أن يصليَ فليصلِّ ، فمالَ الناس عن جنبي الطريق يصلّون ، وركب هو عليه السلام بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله ومضى ، قال جويرية : فقلت : والله لاتبعنّ أمير المؤمنين عليه السلام ، ولأقلدنّه صلاتي اليوم ، فمضيت خلفه فوالله ما جزنا جسر سوراء – بلدة ببابل وبها نهر اسمه نهر سوراء - حتى غابت الشمس فشككت ، فالتفت إلي (عليه السلام) وقال : يا جويرية أشككت ؟ فقلت : نعم يا أمير المؤمنين ، فنـزل عليه السلام عن ناحية فتوضأ ، ثم قام فنطق بكلام لا أحسنه إلا كأنّه بالعبراني ، ثم نادى الصّلاة ، فنظرت والله إلى الشمس قد خرجت من بين جبلين لها صرير – صوت شديد - فصلّى العصر وصلّيت معه ، فلما فرغنا من صلاتنا ، عاد الليل كما كان ، فالتفت إليّ وقال : يا جويرية بن مسهّر ،  الله عزوجل يقول : ﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيم ِ﴾ ، وإنّي سألت الله عزوجل باسمه العظيم ، فردّ عَلَيّ الشمس . وروي أن جويرية لما رأى ذلك قال : أنت وصيّ نبيٍّ وربِّ الكعبة " . " من لايحضره الفقيه " الشيخ الصدوق ج 1 : 200-201 /  ط . دار التعارف . 
(10) ( كلام الثعبان ) : وهو خبر مشهور بالإسناد يرفع إلى الصّادق ( عليه السلام ) عن أبيه عن أبائه ( عليهم السلام ) قـال : كان أميـر المؤمنين ( عليه السلام ) يخطب في يوم الجمعة على مِنبر الكوفة إذ سمع وَجْيَة عَدْوِ الرّجال يتواقعون بعضهم على بعض ، قال لهم : مالكم ؟ قالوا : يا أمير المؤمنين ثعبان عظيم قد دخل ، ونفزع منه ، ونريد أن نقتله ، فقال ( عليه السلام ) : لا يقربنّه أحدٌ منكم ، فطرِّقوا له فإنّه رسولٌ جاء في حاجة . فطرَّقوا له ، فما زال يتخلّل الصفوفَ حتى صعد المنبر ، فوضع فمه في أذن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فنقَّ في أذنيه نقيقا ، وتطاول أمير المؤمنين (عليه السلام) يحرّك رأسه ، ثم نقّ أمير المؤمنين مثل نقيقه ،فنـزل عن المنبر ، فانساب بين الجماعة ، فالتفتوا فلم يرَوه ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، وما هذا الثعبان ؟ فقال : هذا الذّرجان بن مالك خليفتي على الجنّ المسلمين ، وذلك أنّهم اختلفوا في أشياء وأنفَذُوه إليّ ، فجاء سألني عنها ، فأخبرته بجواب مَسَائِلِه ، فرجع  ." عيون المعجزات " حسين بن عبد الوهاب صفحة 7 / ط . المطبعة الحيدريّة .
(11) راجع بيان الكبرى من القسم السابق، مبحث إثبات نبوة النبي محمد عقلا ومعاجزه  .

(12) سورة البقرة، الآية 124.



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

البحوث الفقهية

البحوث العقائدية

البحوث الأخلاقية

حوارات عقائدية

فتاوى (معاملات)

سؤال واستخارة

فتاوى (عبادات)

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 كَبُرْتُ اليوم

 الاستدلال بآية الوضوء على وجوب مسح الرجلين

 العدالة

 السعادة

 قوى النفس

 البدن والنفس

 تلذُّذ النفس وتألمها

 العبادة البدنية والنفسية

 العلاقة بين الأخلاق والمعرفة

 المَلَكَة

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 السيدة خديجة بنت خويلد (عليها السلام)

 وضوء وغسل الجبيرة

 زيارة السيدة زينب بن علي الكبرى(عليهما السلام)

 تلذُّذ النفس وتألمها

 الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام)

 غسل السقط

 المد الجائز المنفصل

 الواحد الأحد

 المبحث الخامس عشر: النـزاع في المشتق مرتبط بالاستعمال

 مالك الملك

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net